رغم مرور يومين على إعلان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، ورئيس نواب طبرق عقيلة صالح، وقفا لإطلاق النار في كافة أرجاء البلاد، إلا أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يشكل طرفا مسلحا بارزا في كل حروب ليبيا، لا يزال موقفه غامضا ويلتزم الصمت، ما يثير الشكوك حوله موقف من الإعلان.
وإثر تداول وسائل إعلام لتصريحات منسوبة للمتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، يؤكد فيها رفض حفتر لوقف إطلاق النار، سارع الأخير إلى نفي نسبة صحة التصريحات إليه.
وأكد المسماري، في تصريح لـ"روسيا اليوم"، أن تلك التصريحات "غير صحيحة"، رافضا توضيح موقف حفتر من وقف إطلاق النار.
وعكس ما يشير إليه بيانا السراج وصالح بالقبول بحل لنزع السلاح في منطقتي سرت والجفرة، وفق مقترح أميركي، كان المسماري قد أكد رفض قيادة حفتر هذا المقترح خلال مؤتمر صحافي عقده في بنغازي الأربعاء الماضي.
وأوضح المسماري أن مليشيات حفتر "لن تتراجع قيد أنملة عن مدينة سرت وما حولها، وستواصل استعداداتها في هذه المدينة ولن تسلمها"، مشيرا إلى أن قيادة حفتر "تواصل التجهيز لأي معركة محتملة ولن تسلم سرت".
وفي الوقت الذي كشفت مصادر حكومية من طرابلس استعداد ممثلي الحكومة في اللجنة العسكرية (5+5) لتقديم مقترح بشأن أوضاع سرت والجفرة بعد إخلائها من السلاح، يرجح مراقبون ليبيون إمكانية سعي حفتر لعرقلة المقترح الأميركي الذي بات مدعوما من عدة أطراف إقليمية ودولية ومحلية أيضا.
وبحسب المصادر الحكومية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن مقترح ممثلي الحكومة في طرابلس يتضمن نشر وحدات أمنية تابعة لحكومتي الوفاق والحكومة التابعة لمجلس النواب ضمن مهمة أمنية، بينما يترك تأمين مواقع النفط في جنوب ووسط البلاد للمؤسسة الوطنية للنفط بإشراف أممي.
لكن الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش يؤكد أن مؤشرات رفض حفتر للمستجدات الجديدة عديدة، موضحا أن "عدم إعلان حفتر عن عودة العمل في حقول وموانئ النفط مؤشر كبير على رفضه الصامت لكل ما استجد".
وأكد الأطرش، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أهمية الإجماع الدولي والترحيب بموقف السراج وصالح، والتشديد على أهمية استئناف إنتاج وتصدير النفط، إلا أنه يرى أن "حفتر لن يسلم بسهولة أهم أوراقه، وهي ورقة النفط، وسيطرته على سرت التي باتت تشكل له أهمية كبيرة لحماية هذه الورقة".
الأطرش: عدم إعلان حفتر عن عودة العمل في حقول وموانئ النفط مؤشر كبير على رفضه الصامت لكل ما استجد
وتابع: "رغم تخلي حلفائه عنه، إلا أنه لديه الكثير مما يحتاجه، أقله تأمين أوضاعه الخاصة أمام الملاحقات القضائية التي بدأت تتزايد، وقبلها رفضه الانسحاب بسهولة من المشهد"، مشيرا إلى أن "قراراته بشأن فتح النفط ثم التراجع عن قراره رسالة ضمنية منه للعالم بأن هذه الورقة لا تزال بيده".
وعن أسباب صمته وعدم مجاهرته بموقف، لفت الأطرش إلى أن صمت حفتر "ناتج عن حجم الضغوطات التي تمارس عليه، خصوصا من قبل حلفائه، ومخاوف أخرى من التهديدات الأميركية بشأن إمكانية فرض عقوبات عليه، خصوصا أنها ستكون ذات تأثير مباشر عليه، كونه مواطنا يحمل الجنسية الأميركية".
لكن الباحث السياسي الليبي، بلقاسم كشادة، لفت إلى أن مضمون إعلاني السراج وصالح يوضح أنه استجابة لمقترح أميركي يبدو أنه فرض بقوة دبلوماسية أميركية بهدف عزل روسيا، خصوصا أن واشنطن حشدت له في عواصم عربية لها علاقة بحفتر أبدت ترحيبها كلها بشكل واسع، سواء في القاهرة أو الرياض أو أبوظبي، و"يهدف المقترح الأميركي بالتحديد إلى تنحية مواقع النفط في ليبيا من دائرة التأثير الروسي عبر مرتزقة الفاغنر المتحالفين مع حفتر".
وأضاف كشادة، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن صمت حفتر مرتبط بالموقف الروسي الذي لا يزال غامضا، إذ لم ترحب موسكو ببيان حكومي بالإعلان الليبي عن وقف إطلاق النار وعودة استئناف إنتاج النفط، معتبرا أن "صمت حفتر وعدم إعلانه عن رفض آخر المستجدات لمخاوفه من إمكانية تبدل الموقف الروسي وبقائه لوحده في الساحة".
وتابع: "بعد أن كان حفتر مفاوضا رئيسيا في كل التسويات السابقة، بات اليوم معزولا ومبعدا، وهو وضع لن يقبل به بسهولة، ولذا فهو يتسمك بورقة النفط وحلفه الهش مع الروس، في انتظار أن تشمله أي تسوية يمكن أن يحدثها الروس مع الجانب الأميركي لإنقاذ أوضاعه وعودته للمشهد مجددا، ولو سياسيا".
لكن كشادة يؤكد أن "صمت حفتر لن يطول ولن يكون بمقدوره كسر الإدارة الأميركية التي دفعت ممثلي الأطراف المحلية إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار، ما يعني وقف المعارك، وخصوصا موقفها من ضرورة إعادة تشغيل النفط"، مشيرا إلى أن "حظوظ حفتر باتت ضئيلة في العودة لمكانته الأولى التي كان يمثل من خلالها رقما صعبا في المعادلة الليبية".