ماذا وراء تراجع الحماس الأميركي الإسرائيلي لـ"صفقة القرن"؟

ماذا وراء تراجع الحماس الأميركي الإسرائيلي لـ"صفقة القرن"؟

08 مارس 2018
تركز لقاء ترامب ونتنياهو على إيران (أوليفييه دوليري/Getty)
+ الخط -

بدت حماسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لمشروع التسوية، الذي عكفت عليه إدارته في الأشهر الماضية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يطلق عليه "صفقة القرن"، ضئيلة، بحسب ما تسرب من أجزاء من لقاء ترامب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. ذلك أن الجزء الأكبر من اللقاء دار حول "العدو المشترك" إيران، مع تهميش واضح للملف الفلسطيني، وهي سياسة إسرائيلية ثابتة.

وفي أعقاب اللقاء، تباهى نتنياهو بأن مضيفه الأميركي لم يعرض عليه أية مسودة لـ"صفقة القرن"، ولا أي جدول زمني لتحقيق مثل هذه التسوية. نتنياهو، الذي بدا مرتاحاً لعدم جدية ترامب في دفع المشروع، قال، بخفة وبلهجة تعبر عن استخفافه بالفلسطينيين ومشاريع التسوية المتعلقة بحل الصراع معهم، إن "الوقت الذي استغرقه الحديث عن الفلسطينيين لم يتجاوز ربع ساعة". ترامب، من ناحيته، لم يوافق فقط على ما قاله نتنياهو، بل إنه تبنى الرواية الإسرائيلية، التي تحمل الفلسطينيين المسؤولية عن الطريق المسدود الذي وصل إليه، عندما قال إنه "في حال لم يرغب الفلسطينيون في التسوية فلن تكون هناك تسوية".

مؤشرات الفتور الأميركي الإسرائيلي إزاء "صفقة القرن" تتناقض مع جدية تعامل النظامين السعودي والمصري معها. ففي الوقت الذي كشف فيه عضو تنفيذية منظمة التحرير، أحمد مجدلاني، عن طابع الضغوط التي مارسها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للقبول بالصفقة، كشفت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية النقاب عن أن بن سلمان حاول إغراء عباس بالتخلي عن القدس وقبول أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية، في حين ذهب نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أبعد من ذلك، عندما حاولت استخباراته الترويج لفكرة قبول رام الله كعاصمة لهذه الدولة، كما كشفت تسريبات صوتية عرضتها قنوات تابعة للمعارضة المصرية.

للوهلة الأولى، بدا إفصاح ترامب ونتنياهو عن هذا المستوى من الاستخفاف إزاء "صفقة القرن" مستهجناً، إذ إن تطبيق هذه الصفقة كان يعني عملياً تصفية القضية الوطنية الفلسطينية. لكن نظرة متفحصة تدلل على أن هناك مؤشرات أولية على أن المسوغ الرئيس الذي دفع ترامب وإدارته للترويج لهذه الصفقة لم يعد قائماً. فترامب، الذي لم يتردد خلال حملته الانتخابية في تبني مواقف اليمين الإسرائيلي من القضية الفلسطينية، لم يكن معنياً بحل الصراع. وقد انطلق، عندما تولى الرئاسة، في محاولته لدفع هذه الصفقة من افتراض مفاده أن حل الصراع يسمح بتوفير بيئة تضمن تحقيق مصالح واشنطن في المنطقة بأقل قدر من الموارد الذاتية الأميركية. ونظراً لأن مواجهة الخطر الإيراني تعد إحدى أولويات استراتيجية الأمن القومي التي أعلنت عنها إدارة ترامب قبل شهرين، فان هذه الإدارة رأت أن أحد المتطلبات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف يتمثل في تعاون صريح بين إسرائيل والدول العربية. لكن إدارة ترامب كانت تعتقد أن نقل العلاقة بين إسرائيل والدول العربية إلى طور التحالف والشراكة العلنية، خصوصاً مع السعودية والإمارات ونظام السيسي، يتطلب توفير بيئة تسمح برفع الحرج عن أنظمة الحكم في هذه الدول، وذلك من خلال طرح مبادرة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فكان الترويج لـ"صفقة القرن". إن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي جعل واشنطن وتل أبيب أقل حماسة لدفع "صفقة القرن"، على الرغم من أنها تمثل تبنياً لمواقف اليمين الإسرائيلي؟ هناك عدة أسباب يمكن رصدها لتفسير السلوك الأميركي الإسرائيلي، وهي:


أولاً، تبدي أنظمة الحكم العربية، لا سيما في السعودية، مؤشرات أولية على أن حل الصراع لم يعد مطلباً مسبقاً قبل القيام بخطوات تؤسس للتطبيع مع إسرائيل وتمهد لانتقال العلاقة معها من السر للعلن. وقد وجد هذا التحول تعبيره في إعلان نتنياهو، قبل يومين، بأن السعودية وافقت فعلاً على السماح لطائرات الخطوط الجوية الهندية المتجهة لإسرائيل بالتحليق في الأجواء السعودية، وذلك بخلاف نفي الرياض لحدوث هذا التطور قبل شهرين.

ثانياً، على الرغم من أهمية الإجماع الفلسطيني على رفض الصفقة، فإن عدم إسناد الفلسطينيين بموقف عربي رسمي داعم وفر بيئة سمحت لإدارة ترامب وحكومة نتنياهو بالشروع في تطبيق بعض بنود "صفقة القرن" انتقائياً، وبشكل أحادي الجانب، من دون أن يتم تقديم هذه الخطوة على أساس أنها جزء من الصفقة، ما قلص من قيمتها. ولعل أوضح مؤشر على هذا التوجه الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة "عاصمة" لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وتأكيد ترامب خلال مؤتمر دافوس الأخير على أن قضية المدينة باتت خارج التفاوض، إلى جانب الدفاع الأميركي عن بقاء المستوطنات في جميع أرجاء الضفة الغربية، كما عبر عن ذلك أخيراً السفير الأميركي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، الذي رفض تفكيك المستوطنات بحجة أن مثل هذا التطور يمكن أن يفضي إلى حرب "أهلية" إسرائيلية.

ثالثاً، تراجع الرهان الأميركي الإسرائيلي على عوائد الشراكة مع السعودية في مواجهة إيران، بسبب طابع السياسات الإشكالية التي يتبناها بن سلمان، سواء على صعيد حرب اليمن أو الأزمة الخليجية. وقد تواترت الدراسات، التي صدرت عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، التي تحذر من أن مؤشرات الفشل، التي تتسم بها سياسات بن سلمان، قد تفضي إلى بلورة بيئة إقليمية أقل مواءمة للمصالح الإسرائيلية.

رابعاً، التحولات الداخلية الأميركية، وحالة انعدام اليقين التي تسود واشنطن بسبب تبعات التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، والشبهات التي تدور حول أنماط السلوك الإشكالي لمقربي ترامب الأكثر ارتباطاً بـ"صفقة القرن"، خصوصاً مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر.