ماذا ننتظر من وارسو؟

ماذا ننتظر من وارسو؟

17 فبراير 2019
+ الخط -
اجتمع في العاصمة وارسو ممثلون عن أكثر من سبعين دولة تحت عنوان جذّاب ومحفز، مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط. وراء هذا العنوان، تحشد السياسة الأميركية، وبعض حلفائها، لتوسيع جبهاتها الخاصة بمواجهة إيران، وتنويع هذه الجبهات. وبينما كان مؤتمر وارسو يخوض نقاشاته في هذا الخصوص، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يتوسط الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي، تحت عنوان آخر هو سورية، مع ترديد عبارة خروج القوات الأميركية منها. لم يبدِ مسؤولو إيران ردّات فعلٍ عنيفةٍ تجاه تجمع وارسو، لكن وزير الخارجية جواد ظريف أطلق على ذاك التجمع، في إحدى تغريداته، "تمثيلية". أما رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، فقد غرّد عن لقائه بوزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، على هامش المؤتمر، فيما كان وزير الخارجية البريطاني، يقول إنه سيركز على إنهاء الأزمة في اليمن وهو الذي لم يحضر إلى المؤتمر إلا بعد أن أدرج بنداً خاصاً يتعلق باليمن، والوزير البريطاني، جيرمي هنت، هو وزير الخارجية الوحيد القادم من دولة أوروبية كبرى الذي حضر المؤتمر.
شهد العالم، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، حشداً مماثلاً ضم العرب والإسرائيليين وأوروبا ودولا من قارات أخرى بعد حرب الخليج الثانية. وبعد تحرير الكويت، كان جورج بوش الأب في قمة النشوة، لخروجه منتصراً من الحرب، فقرّر أن يدعو الجميع، ويضع حداً لمآسي الشرق الأوسط، وكانت لديه ورقة قوة إضافية، تلاشي الاتحاد السوفييتي نهائيا، وتآكل كبير في مقدرات وريثته روسيا. وعلى الرغم من التحضير الجيد لذلك المؤتمر، والظرف الإقليمي المؤاتي الذي اعتمد عليه بوش الأب، في إعادة انتخابه رئيساً للمرة الثانية، إلا أن الجهود تبعثرت، ولم يبق من المؤتمر إلا بضع خطب رنانة، وأماني تم كنسها بعنف من على بلاط مدريد، المدينة التي احتضنته، وقد كان من آثار المؤتمر الجانبية اتفاقات غزة وأريحا، وبعدها أوسلو. يتذكر الجميع تلك المعاهدات البائسة التي قاربت على الانتهاء، في وقت كان الصراع في ذروته، بل أحدثت مزيداً من المواجهات الداخلية والانقسامات.
اجتمع في مؤتمر وارسو بعض الوزراء وكثيرون من نوابهم، بعد أن جهد جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، والعرّاب المفترض لاتفاقية السلام، ليخرج بنتائج متشدّدة ضد إيران. أما تسليط الضوء على حضور نتنياهو، فليس سببه أن قضية فلسطين ستكون مركزية، فكوشنر لم يفصح عن قضية العصر، أو "صفقة القرن" التي تداولها الإعلام كثيراً من دون أن يُعرَف ما تخفيه لكل طرف، ولكن سيكون الجهد الأكبر مركّزاً على الصور التذكارية التي تجمع نتنياهو مع مَنْ تيسر من المسؤولين العرب. وإذا فشل التحالف المزمع عقده ضد إيران، وهو لن يكون فعالاً بأي حال، نظراً إلى موقف الدول الأوروبية من اتفاقية الأسلحة النووية التي تخلى عنها ترامب، والمخرج التجاري الذي أوجدته أوروبا، لتبقي على تعاملها مع إيران، وهي بمنأى عن عقوبات ترامب، فستبقى هذه الصور التي تؤكد تقارباً عربياً إسرائيلياً، يتعالى الهمس حوله حتى أصبح لغطاً مسموعاً، وربما يتحول إلى علاقاتٍ صريحةٍ بإطار دبلوماسي كامل.
قد يكون من الصعب الحديث عن الأمن والسلام في الشرق الأوسط بغياب الطرف التركي، وهو أحد المفاتيح المهمة لهذا العنوان العريض، فتركيا قاطعت المؤتمر، وفضلت أن تحضر في التوقيت نفسه مؤتمر سوتشي مع إيران وروسيا، لمناقشة عقدة مهمة من عقد الشرق الأوسط، سورية، وإذا أضفنا غياب الصين عن وارسو، فقد يتحوّل المؤتمر كله إلى مجرّد محاولةٍ للضغط على إيران، غير مضمونة النتائج. ويبقى أمام كوشنر تحدّي تسجيل نقطة نجاحٍ في جمع أكبر عدد من العرب والإسرائيليين تحت سقف واحد، والحصول على ألبوم صور، يمكن أن يُظهر للإعلام بوضوح الجبهة المضادّة لإيران، ويرشّح نجوماً لمؤتمر قادم تطرح فيه صفقة القرن.