ماذا لو تكرّرت حرب حزيران؟

ماذا لو تكرّرت حرب حزيران؟

07 يونيو 2020

دبابات إسرائيلية إلى محيط الأقصى في حزيران 1967 (Getty)

+ الخط -
بعد السؤال غير المباح، أعلاه، نسأل: لمن ستكون الغلبة؟ أراهن أنه سؤال يراود كثيرين من أحفاد الهزيمة الذين يبحثون عن أي حربٍ تمحو خزي أغرب معركة شهدها التاريخ العسكري البشري، بسرعتها ونتائجها. 
أغلب الظن أن النتيجة محسومة مسبقًا في أذهان أولئك الأحفاد، فالغلبة ستكون عربية بامتياز، وكل ما على القيادات العسكرية العربية أن تفعله هو تلافي الأخطاء العسكرية الجسيمة التي وقعت فيها خلال الحرب السابقة، وسيكون كل شيءٍ على ما نشتهي.
سأكون صادمًا بعض الشيء، غير أني متيقنٌ من أن هذه الصدمة لن تضيف الكثير إلى شعوبٍ ألفت الصدمات. وسأقول إنه لو قيّض لحرب الخامس من حزيران أن تتكرّر اليوم، فلن نحصد غير الهزيمة السابقة ذاتها، وربما أشد منها، اللهم باستثناء صوت أحمد سعيد الذي كان طالب جنودنا بـ"إلقاء الأعداء في البحر"، في الحرب الماضية، غير أننا لن نعدم ظاهرةً صوتيةً مماثلةً له، فساحاتنا تحفل بكثيرين من أمثاله.
لا أصدر عن تشاؤم، بل عن واقع يقول إن شيئًا من اللوجستيات العربية المتصلة بالمعارك المصيرية لم يتغيّر منذ حزيران 1967 إلى حزيران الراهن، ولا أعني بذلك "رباط الخيل" المقتطع من آيةٍ قرآنيةٍ أوردت قبله "القوة"، والتي تعني هنا أغزر من محض معدّاتٍ عسكريةٍ يجري تكديسها في المستودعات، أو على جبهاتٍ أبعد ما تكون عن فلسطين. القوة هنا يُراد بها بناء الإنسان أولًا وتطويره وتحديثه قبل تحديث الآلة العسكرية التي يحملها، فما قيمة سلاحٍ حديثٍ بيد إنسان قديم، مثقلٍ بإرث من التخلف؟ إنسان لم تهزّه الحضارة بعد، ولم يستطع حتى اليوم ردم الفجوات العميقة التي تفصله عن حرياته وحقوقه، وعن ثورات العصور الرقمية والتكنولوجية التي تجتاح العالم المتمدّن.
مثلًا، كان الاختلاف الجسيم في نظرة الخصمين المتقابلين على جبهة حزيران إلى الزمن من أهم أسباب الهزيمة. لم تكن محض ساعاتٍ تلك التي استبقتها إسرائيل للتفوق بالضربة القاضية على المطارات المصرية، بل لأن إسرائيل كانت تدرك جيدًا معنى استثمار الوقت، فهو اعتبارٌ وضعته على رأس أولوياتها منذ تأسيسها؛ لأنها لم تكن تمتلك ترف الوقت، وعليها أن تصارع كل ثانيةٍ ودقيقةٍ لتكريس احتلالها، وإدامة تفوّقها، وإلا فإن النتيجة ستكون وخيمة عليها حتمًا. كانت تشبه وليد الحيوان البريّ الذي عليه أن ينهض مباشرة بعد ولادته، ويتعلّم العدو في دقيقة واحدة إن أراد النجاة بجلده. أما على الجبهة الأخرى، فقد كان الوقت صحراويًّا لبدويّ على ناقته، لا يعنيه إن استغرقت رحلته ساعة أو شهرًا، وهي عين نظرة العربيّ للحداثة التي يُفترض بها أن تجيء إليه لا أن يذهب إليها، على قاعدة "اللي في دار أهله على مهله"، وهو العربيّ الذي لم يستهوه من الأدب كله غير قصة "الأرنب والسلحفاة"، بدليل أنه يصرّ على تعليمها لأبنائه، موقنًا بما لا يدع مجالًا للاجتهاد أن الأناة المفرطة خيرٌ من الركض السريع، بدليل أن السلحفاة سبقت الأرنب في نهاية المطاف، وكأني بهذه القصة لم تكتب إلا للعرب وحدهم؛ لتبقي مسيرتهم الحضارية والفكرية كلها زاحفةً على وقع السلاحف، على الرغم من أن أبلغ دحض لهذه الحكاية هو سرعة الأرنب الصهيوني في سحق المطارات العربية قبل بدء معركة حزيران.
أما الحرية والديمقراطية اللتان قاتلتنا إسرائيل بهما، قبل أن تواجهنا بأسلحتها فقد قيل فيهما الكثير، غير أن الفعل لم يتعدَّ القول، بدليل أن أنظمة الحكم العربية القائمة على الاستبداد ومحق الحريات لم تتغير، فلم تزل قائمةً على استعباد مواطنها، تنتزع منه الكرامة واحترامه ذاته، وتجعل منه مخلوقًا مسكونًا بالرعب واللهاث خلف الرغيف.. مواطنًا مهزومًا قبل الهزيمة. ويصدق القول هنا إن هزيمتنا في حزيران لم تكن عسكريةً بقدر ما كانت هزيمةً للحرية التي افتقدناها، وللعصرنة التي تخلفنا عنها.
كل ما أرجوه أن لا تتكرر حرب حزيرانية أخرى بالشروط ذاتها، لأن النتائج محسومة سلفًا، وحتّى لو قيّض لنا نصر عسكريّ، على سبيل الطفرة، فلن يعني أزيد من استبدال احتلالٍ بآخر؛ لأن النتيجة واحدة: هزيمة الحرية في الحالين.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.