ماذا سيفعلون إذا دخلوا الموصل؟
سؤال يتردد بين أوساط أهل الموصل الذين يعيشون تحت حكم الدولة الإسلامية "داعش"، ماذا سيفعل الجيش العراقي والميلشيات بهم إذا دخلوا الموصل؟
وأنت تتابع حسابات عراقية عديدة مؤيدة للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي، يندر جداً أن تقرأ تعليقاً من أحدهم يعفي أهل الموصل من مسؤولية احتلال مقاتلي "داعش" مدينتهم، بل تجد أن أغلبهم يتهم أهل الموصل بالخيانة، وأنهم هم من فتحوا أبواب مدينتهم أمام هؤلاء، بل يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، وهم يتوعدون أهل الموصل بالعقاب، بعد طرد مقاتلي الدولة الإسلامية، من دون أن يسأل أحدهم، من ترك سلاحه وهرب أمام أولئك المقاتلين؟ ولماذا رفض أهالي الموصل حتى التدخل لمساندة تلك القوات الهزيلة المنهارة، وهي تفر من مواقعها تاركة أسلحتها الكبيرة والكثيرة جداً لتصبح غنائم بيد داعش؟
لسنا، هنا، في معرض استعادة ما جرى في الموصل، يوم العاشر من يونيو/ حزيران الماضي، ولكن، فقط نسعى إلى مواكبة حقائق على الأرض، يرغب الإعلام، اليوم، بطمسها، كما أننا لسنا بصدد الدفاع عن داعش، وإنما للاستماع إلى صوت أهالي الموصل الذين باتوا، اليوم، متهمين بوطنيتهم وولائهم لبلدهم.
يتحدث أهالي الموصل، اليوم، عن المستقبل بقلقٍ كثير، صحيح أن وضعهم تحت حكم مقاتلي الدولة الإسلامية ليس مثالياً، كما أنهم يتعرضون يومياً لغارات التحالف الدولي، إلا أنهم مع ذلك يخشون من تلك اللحظة التي ستدخل إليهم ميلشيات الحشد الشعبي التي ينتمي أفرادها إلى ميلشيات شيعية عرفت بإجرامها، ومعها قوات الجيش الذي حول حربه من داعش إلى الموصل وأهلها، وراح هو الآخر يهدد، ويتوعد أهالي الموصل.
صحيح أن وزير الدفاع العراقي الجديد، خالد العبيدي، من أهالي الموصل، إلا أن واقع الحال يؤكد أنه ليس له من الأمر شيء، فما يجري من معارك وقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في مدن عديدة في العراق، تقوم به ميلشيات مدربة في إيران، بل إن وجود عناصر الحرس الثوري الإيراني لم يعد خافياً على أحد، وربما شاهد بعضهم زيارة العبيدي منطقة جرف الصخر التي استعادت القوات الحكومية السيطرة عليها، وكيف كان يتنقل بحرج شديد بسبب الوجود الميلشياوي الواضح في المنطقة، وحتى الإيراني.
وعلى ذكر منطقة جرف الصخر، (جنوب بغداد)، فإن الأخبار عما فعلته الميلشيات بأهالي المنطقة وصل، بالتأكيد، إلى أهالي الموصل، فكلهم قرأ عن، وربما شاهد، كيف أحرقت تلك الميلشيات المنازل، وبعضها مأهولة بأهلها، وكيف قامت بتفخيخ منازل أخرى وتفجيرها، كما إن بعض أهالي الموصل شاهدوا، مثل غيرهم، كيف أحرقت هذه الميلشيات جثث أهالي منطقة سليمان بيك شمال بغداد، بعد استعادة السيطرة عليها من يد داعش.
الموصل، بأهلها وأصالتها وعراقيتها، أكبر من داعش وتنظيمه، وأكبر بكثير من خيانات وجبن قوات الحكومة العراقية التي تركت المدينة لتقع فريسة بيد داعش، فأهل الموصل الذين ذاقوا، وطوال سنوات عشر، الويل على أيدي القوات الحكومية، لا يمكن لهم، بأي حال، إلا أن يتركوا هذا الجيش الميلشياوي يلقى مصيره. صحيح أنهم، اليوم، يعيشون واقعاً، تصوره وسائل الإعلام بأنه مزرٍ، في ظل سيطرة داعش، إلا أنهم، وعلى الرغم من كل شيء، يخشون من المستقبل.
لا أحد يريد طمأنة أهل الموصل، حتى أولئك الساسة المحسوبين على المدينة، لا أحد منهم التمس لأهل المدينة عذراً، وإعفاءهم من مسؤولية سقوط مدينتهم بيد داعش، على الرغم من أنهم ليسوا من يجب أن يدافع عن المدينة، بل راح الجميع يشكك بوطنية أهالي الموصل.
الموصل، أيها السادة، عراقية الهوى والهوية، وهي التي رفدت، ومازالت ترفد، على الرغم من كل شيء، العراق بخيرة كفاءاته وخبراته وعلمائه، وهي التي أنجبت لهذا الوطن خيرة قادته العسكريين ممن كانوا رجالاً بحق، عرفتهم ساحات الوغى والنزال. الموصل لا تحتاج إلى شهادة وطنية مني، أو من غيري، فهي أكبر منا جميعاً، إنها عملاق في الرافدين، تنام على دجلته بإباء وشمم، فهل هناك من يطمئن أهالي هذه المدينة العراقية على مستقبلهم؟
ربما الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية، اليوم، لا تحتاج إلى سلاح، أو مقاتلين، بقدر ما تحتاج إلى جسور لإعادة الثقة بين المواطن وحكومته. تحتاج الحرب، اليوم، إلى أن يدرك الموصلي، كما الأنباري والتكريتي، بأن في بغداد حكومة تمثلهم، كما تمثل ابن الجنوب، وبغير ذلك، فلا أهلاً ولا مرحباً بأي قوات حكومية، مصحوبة بالميلشيات تدخل تلك المدن، حتى وإن بقيت تحت سيطرة داعش وحكمها.
تعب ابن الموصل من لغة التخوين التي تعج بها الصفحات المؤيدة للحكومة وميلشياتها، وهو يدرك، أكثر من أي وقت مضى، أن دخول القوات الحكومية وميلشياتها المدينة، يعني، من بين ما يعنيه، استباحة المدينة أمام آلة قتل ودمار، تتفوق، قدرة وحقداً على التي توسم بها داعش دائماً.