ماذا تعني محاكمة ألمانيا لضباط من النظام السوري؟

ماذا تعني محاكمة ألمانيا لضباط من النظام السوري؟

19 مارس 2020
اعتقلت الشرطة الاتحادية الألمانية المتهمين العام الماضي(روني هارتمان/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أنّ عجلة المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات في سورية، ولاسيما الضباط والأمنيين المرتبطين بالنظام، قد أخذت بالدوران داخل المحاكم الأوروبية، بعد أن أعلنت محكمة ألمانية عن موعد أول محاكمة لضابطين "منشقيّن" عن النظام السوري، يعتقد أنهما على علاقة بارتكاب انتهاكات وعمليات تصفية بحق معتقلين.

وقال "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، الناشط في مجال محاسبة مجرمي الحرب السورية، ومقره ألمانيا، أنّ المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنتس الألمانية، قبلت الدعوى في قضية الفرع 251 - أمن دولة المعروف بـ"فرع الخطيب"، ضدّ المتهمين أنور. ر وإياد. أ، على أن تبدأ أولى جلسات المحاكمة في 23 إبريل/نيسان المقبل. وستلي الجلسة الأولى جلسات لاحقة، في كل من 27 و28 و29 إبريل، على أن تستكمل في 18 و19 و27 و28 و29 مايو/أيار المقبل.

وتوقّع المركز أن تستغرق المحاكمة فترة تتجاوز نهاية العام، بل قد تستمر لسنوات عدة، مشيراً إلى أنّ المحكمة ستعلن عن مواعيد جلسات إضافية بعد بضعة أشهر من الآن. ونوه المركز إلى أنّ المحاكمة ستكون علنية ومفتوحة للجميع، ويمكن لأي شخص أن يحضر الجلسات في صفوف المستمعين، غير أنه لن تكون هناك تسجيلات سمعية أو بصرية لجلسات المحاكمة، لكنّ المركز أشار إلى أنّ فريقه سيبذل جهداً لإطلاع السوريين على ما يستجدّ في القضية بشكل منتظم.

وفي اتصال مع "العربي الجديد"، أشار المحامي والناشط الحقوقي أنور البني، رئيس "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، إلى أنّ "هذه المحاكمة هي الأولى من نوعها ضدّ مجرمي النظام بشكل عام، فلم يحصل أن حوكم ضابط من صفوف النظام بأي قضية أو جريمة كانت، ولا سيما في قضايا المعتقلين والتعذيب والاختفاء القسري والقتل تحت التعذيب. فلذلك هي أول محاكمة لمجرمين من النظام السوري على هذا المستوى ومن هذا النوع".

ونوه البني، الذي يقيم حالياً في ألمانيا، إلى أنّ أحد الضابطين اللذين سيواجهان المحكمة الألمانية الشهر المقبل، معروف بالنسبة للمعارضة بأنور. ر، كونه قال إنه انشق عن النظام منذ العام 2012، لكنه لم يعلن عن انشقاقه علناً ولم يظهر على الإعلام، وظهر فقط مع وفد المعارضة كاستشاري خلال مفاوضات جنيف. وأشار إلى أنهم تواصلوا في المركز مع الضحايا الذين كانوا اعتقلوا في الفرع الذي كان يرأس فيه المتهم قسم التحقيق، خلال الفترة ما بين 2011 و2012 أي قبل انشقاقه، موضحاً أنهم يعرفونهم كونهم ترافعوا عنهم خلال فترة اعتقالهم، والكثير منهم وصل إلى أوروبا، وإلى ألمانيا تحديداً.

وأوضح البني أنّ أنور. ر مقيم في ألمانيا، وتم توقيفه في شهر فبراير/شباط من العام الماضي، وقد وجّهت له تهم عدة من قبل الادعاء العام الألماني منها: الإشراف على تعذيب حوالي 4000 معتقل، والتسبب بـ58 حالة قتل تحت التعذيب، بالإضافة إلى التورط بعدد من حالات العنف الجنسي والاغتصاب. ولفت إلى أنّ المحاكمة ستجرى حضورياً له وللموقوف الآخر إياد. أ، متوقعاً أن يحضرها الكثير من السوريين أو ضحايا المعتقلات اللاجئين في ألمانيا.

وكانت الشرطة الاتحادية في ألمانيا قد ألقت القبض في فبراير من العام الماضي على العقيد أنور. ر، رئيس التحقيق في الفرع 251 أو ما يعرف بـ "فرع الخطيب"، التابع لجهاز أمن الدولة ضمن مخابرات النظام، وضابط الصف إياد. أ، الذي كان يتبع للفرع ذاته قبل انشقاقهما عن النظام. وتشير المعلومات المتوفرة لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الأول انشق عن النظام في سبتمبر/أيلول من عام 2012، فيما انشق الثاني في أواخر 2011، أي في العام ذاته الذي اندلعت فيه الثورة.

وحسب بيانات الادعاء الألماني، فقد غادر المتهمان سورية في العام 2012، وتزامن إلقاء القبض عليهما، مع إصدار الادعاء العام الفرنسي أمراً بالقبض على ضابط صف آخر تابع للفرع ذاته 251 في فرنسا. وكان الادعاء الألماني قد نوّه إلى أنّ القبض على الأشخاص الثلاثة تم بالتنسيق بين السلطات الألمانية والفرنسية.

ورأى البني أنّ "هذه المحاكمة ليست فقط لهذين الضابطين، وإنما محاكمة للنظام بكامله، فبالتأكيد سيلجأ الضابطان للدفاع عن نفسيهما، والقول إنهما كانا يتلقيان الأوامر من مستويات أعلى، وكانا يرزحان تحت التهديدات بالتصفية لهما أو لعائلاتهما، ولذلك يجب عليهما أن يشرحا من أين كانت تأتي الأوامر ومصدرها، ومن المسؤول الرئيسي عن هذه العمليات، وبالتالي فإنّ المحاكمة ستشمل كامل بنية النظام".

ولفت البني كذلك إلى أنهم في "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية"، يقومون بجمع الأدلة عن المتورطين بارتكاب جرائم في سورية، سواء من الذين كانوا في صفوف النظام أو المجموعات الأخرى مثل القوات الكردية أو "جبهة النصرة" أو تنظيم "داعش"، وحتى من المجموعات المرتبطة بـ"الجيش السوري الحر". وأكّد أنّ "أي شخص ارتكب جرائم ضدّ الإنسانية أو جرائم حرب ضدّ المدنيين من تعذيب وقتل وتغييب ستتم ملاحقته". وعلى الرغم من أنه ليس لدى المركز رقم واضح إلى الآن حول عدد هؤلاء، إلا أن البني يتوقّع أن يكون هناك "حوالي ألف مجرم من هذا النوع متواجدين في أوروبا، تحت توصيف لاجئين، أو لم شمل، وتوصيفات أخرى، ويتم جمع الأدلة حولهم، وعندما سيتم بناء ملف كامل سيتم تقديمه إلى المحاكم"، وفق قوله.

ويقود البني فريقاً حقوقياً تمكّن من تحريك 4 دعاوى في ألمانيا عام 2018، استهدفت 27 مسؤولاً أمنياً عالي المستوى، بمن فيهم رأس النظام بشار الأسد. وقد صدرت بحق بعضهم مذكرات توقيف، ولا سيما بحق رئيس جهاز المخابرات الجوية، اللواء جميل الحسن، الذي صدرت مذكرة توقيف ألمانية بحقه في يونيو/حزيران عام 2018. ولفت البني إلى أنّ هناك مذكرات توقيف غير معلنة صدرت بحق الكثير من المسؤولين الـ27، ومنهم علي مملوك (رئيس مكتب الأمن القومي)، وعبد السلام محمود (رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية بمطار المزة).

وعن لجوء الحقوقيين السوريين لمحاكم ألمانية لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، وعدم اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية في هذا السياق، أوضح البني أنّ "الأخيرة مغلقة أمام الملف السوري، كون سورية غير موقعة على اتفاقية تشكيل المحكمة، وقد فشلت كل الجهود لتحويل الملف إلى المحكمة الجنائية في مجلس الأمن، بسبب الفيتو الروسي أو الصيني. وبالتالي لا مجال لفتح هذه القضايا أمامها، والقضاء الأوروبي هو قضاء مختص بموجب الصلاحية العالمية التي يتمتع بها، وبالإمكان ملاحقة مثل هذه الجرائم ومرتكبيها أمامه".

وتقول "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إنّ 14.391 شخصاً قتلوا تحت التعذيب في سورية، منهم 14.221 قتلوا داخل أفرع ومعتقلات النظام السوري، وذلك في الفترة من مارس 2011، وحتى مارس 2020، وهذا الرقم هو بناءً على الأشخاص الذين تم توثيقهم بالأسماء، فيما تبقى الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، بسبب كثرة المغيبين والمجهولين أو المختفين قسرياً.