مادورو قاتل

مادورو قاتل

16 نوفمبر 2019
+ الخط -
"أرجوك يا أخي لا تقتلني". يتوسل الشاب الفنزويلي العاري، خوسيه أريفالو، إلى أفراد من قوة نخبة في الشرطة الفنزويلية، بينما يستجوبونه عن جريمة تافهة، هي سرقة سيارة. بعد دقائق من هذا الفيديو الذي حصلت عليه "رويترز" حصرياً، تم إطلاق النار على الشاب. قال بيان "قوة العمل الخاصة" في الشرطة FAES إن أريفالو قُتل في اشتباك مسلح! 
في تحقيق مروّع، نشرته "رويترز" قام فريقها بالتحقيق في عشرين واقعة، تكشف كلها نمطاً ثابتاً من جرائم وحشية ترتكبها هذه القوة الخاصة التي أنشأها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عام 2017 باعتبارها وسيلة فعالة لردع الجريمة.
كان الرئيس السابق الراحل، هوغو تشافيز، قد نجح، منذ توليه السلطة عام 1999، في تحقيق قفزات اقتصادية مهمة، بفعل ارتفاع أسعار النفط، لكن فشله التام في إيجاد أي نموذج اقتصادي مستدام، فضلاً عن توسع سياسات التعيينات السياسية بديلاً عن الكفاءات التقنية، أدى لاحقا إلى انهيار إنتاجية قطاع النفط الفنزويلي، ثم حلت الكارثة مع انخفاض أسعار النفط، ما أنتج موجات جوع وجريمة هائلة.
تعتمد "قوة العمل الخاصة" في عملها على شبكةٍ من المخبرين المحليين الموالين. ماريا سيلفا، القيادية في حركة توبامارو الثورية، وهي منظمة يسارية راديكالية تدعم مادورو، قالت بصراحة "يعرف المجتمع من يسرق ومن يبيع المخدّرات ومن يمارس البلطجة .. بمجرّد التعرف عليهم يتم تحييدهم". لكن ماريا هي القيادية المحلية في منطقة لارا التي شهدت محاولة إعلان زعيم المعارضة نفسه رئيسا مؤقتاً يحظى بدعمين، شعبي وأميركي، وهو ما يحيل إلى جانب آخر من عمل القوة في القمع السياسي.
في بلدة "إل - توكايو"، حاصر المتظاهرون منزل العمدة الموالي لمادورو، وأشعلوا الإطارات حوله. لاحقاً وصل عشرات من رجال قوة الشرطة الخاصة. اختاروا ثلاثة شبان، أركعوهم على الأرض، وضبوهم بمواسير حديدية، ثم قتلوهم. انتهت المظاهرات من البلدة.
تقول الأرقام الحكومية الرسمية إن 5280 شخصاً قتلوا على يد الشرطة، بعد "مقاومة السلطات" في عام 2018! تحمل بعض الإحصاءات المستقلة أرقاماً أعلى، مرصد العنف الفنزويلي، وهو منظمة بحثية مقرّها كاراكاس، تابعة لاتحاد جامعاتٍ، قال إنه وثق 7523 حالة قتل على يد الشرطة. وفي يونيو/ حزيران الماضي، نشرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقريراً مطولاً عن حالات الإعدام خارج القانون في فنزويلا. ينقل عن العائلات شهاداتٍ عن "رجال ملثمين في عربات سوداء لا تحمل لوحات معدنية"، وأن "فرق الموت اقتحمت المنازل وأخذت الأمتعة، وهاجمت النساء والفتيات، وأحياناً جرّدتهن من ملابسهن". ويضيف التقرير: "في كل حالةٍ يذكر شهودٌ كيف تتلاعب القوات الخاصة بموقع الجريمة والأدلة، يضعون الأسلحة والمخدّرات، ويطلقون نيران أسلحتهم على الجدران للإشارة إلى وجود مواجهة".
ولافتٌ أن مقرّرة المفوضية هي ميشيل باشيليت، رئيسة تشيلي اليسارية السابقة، والتي عاشت عمراً طويلاً في النضال، وتعرف جيداً جرائم الانقلابات اليمينية والسجون والتعذيب. ولكن هذا لم يمنع أن ترد الحكومة الفنزويلية بوقاحة إن التقرير "رؤية انتقائية"، واعتمد على مصادر "تفتقر إلى للموضوعية"، و"يخفي الإجراءات المتخذة للنهوض بحقوق الإنسان"! بل قاد مادورو بنفسه مظاهرة حاشدة تهتف ضد تقرير الأمم المتحدة، وهتف: تحيا FAES.
كان تشافيز، اليساري الثوري، داعماً للقذافي والأسد، ولم ير في الربيع العربي إلا مؤامرة أميركية. وللمفارقة، يتطابق هذا مع رؤية "اليمينيين" العرب. وفي المقابل، تثور ثائرة يساريين عرب، غضباً هذه الأيام لما يحدث في بوليفيا، على الرغم من أن الرئيس المستقيل، إيفو موراليس، تلاعب بالدستور ضد استفتاء شعبيٍ يرفض تعديل فترات الرئاسة عام 2016، وانتزع التعديل لاحقاً بلا استفتاء أصلا. هل المؤامرة الأميركية أجبرته على ذلك؟
قبل أشهر، التقيت "ممانعاً" لبنانياً في بيروت، أسمعني محاضرة تحمل كثيراً مما أتفق عليه معه بشأن التآمر الأميركي واليميني على يسار أميركا الجنوبية، ولكن هذه ليست الصورة الكاملة. ليس من الصعب تخمين موقفه من الحراك اللبناني الحالي.
الاستبداد ذو الشعارات الأنقى هو الاستبداد الأخطر والأبشع. من ستالين والخمير الحمر إلى "داعش". الإنسان قبل الإيديولوجيا.

دلالات