Skip to main content
مئوية الحرب الأهلية الأوروبية
محمود صقر
في وقت تتزعم فيه فرنسا الاحتفال بمئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، نطرح سؤالاً: لماذا سموها الحرب العالمية؟ ألم تكن تلك الحرب أوروبية المنشأ والجغرافيا والغرض؟
نشأت الحرب من خلاف أوروبي بين إمبراطورية النمسا وجيرانها، ثم توسعت في الجوار الأوروبي، لأغراض تنافسية استعمارية بحتة، فلماذا أطلقوا على حربيهم الأهليتين، الأولى والثانية، حربين عالميتين؟ فهل لأنهم ضموا لها بعض الحلفاء مثل روسيا والإمبراطورية العثمانية واليابان؟ أو هل لأنهم نقلوا جزءًا من مسرح عملياتهم خارج أوروبا، مثل العلمين في مصر؟ أم هل لأنهم اختطفوا رجالاً من مستعمراتهم (الدول المحتلة) وجندوهم وقوداً للحرب؟
في وقت تستضيف فيه فرنسا أكثر من 60 رئيس دولة لافتتاح، منتدى باريس للسلام، يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 لإحياء الذكرى المئوية للحرب الأهلية الأوروبية الأولى، نستحضر قول المفكر الفرنسي، روجيه جارودي، في كتابه "كيف نصنع المستقبل"، إذ يقول: "نمط النمو الغربي يكلف العالم الثالث ما يعادل موتى هيروشيما كل يومين. فلنكرّر ذلك لأنه ينبغي أن يكون نقطة الانطلاق لكل فكر سياسي".
ونضيف لنقاط انطلاق الفكر السياسي؛ أن هتلر هو منتج أوروبي حصري، وبوادر ظهور نسخة جديدة منه عادت إلى الحضور بقوة اليوم في شخصية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وثقافة أوروبا الاستعلائية والعدوانية التي أنتجت منتجها الحصري في حربين كبيرتين أكلتا عشرات الملايين من البشر، هي نفسها المنتجة الأولى للحروب على كوكب الأرض، فمن يحتكر صناعة السلاح وتجارته هو من يحدد مكان الحرب وبدايتها ونهايتها .
نعود ونسأل: لماذا حولوا واقع "الحرب الأهلية الأوروبية" إلى اسم "حرب عالمية"؟. هناك قاعدة يعرفها المجرمون المحترفون تقول إن الجريمة الكبيرة تصبح صغيرة إذا توزعت على أكبر قدر من المجرمين، فمثلاً: كان بمقدور الولايات المتحدة أن تقوم بمفردها بتدمير العراق، لكنها فضَّلَت حبك الجريمة وفق تلك الفلسفة الإجرامية، وكونت ما سمته التحالف الدولي، وصارت التحالفات الدولية من أجل تنفيذ جريمة سنة دولية معروفة.
إذًا لماذا يسمونها "حربا أوروبية"، ويتحملون وحدهم جريمة ارتكبوها، فلتكن إذاً "الحرب العالمية".