مؤسسة حقوقية مصرية تدين إنشاء مقرات للرقابة على المصنفات

مصر: "حرية الفكر والتعبير" تدين إنشاء مقرات للرقابة على المصنفات

27 يونيو 2018
دانت المؤسسة الهجمة على المبدعين (Getty)
+ الخط -

أصدرت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" ورقة موقفٍ تتبعت فيها قرار وزيرة الثقافة المصرية، إيناس عبدالدايم، إنشاء مقرات للرقابة على المصنفات في 7 محافظات مصرية، في مارس/ آذار الماضي، بغرض "التيسير والتبسيط على المبدعين والمواطنين، وكذلك تطبيقًا لمبدأ اللامركزية".

وأوضحت المؤسسة، أن الوزارة لم تعلن إلى الآن عن أي تفاصيل أو آليات لتنفيذ القرار، مكتفية بالإعلان عن أسماء المحافظات المزمع إنشاء المقرات بها، لتتوسع بذلك الرقابة على المصنفات الفنية وتمتد أفرعها لتغطي 9 محافظات، بينها فرعا القاهرة والإسكندرية.

وحاولت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" من خلال الورقة الوقوف على ملابسات القرار، خاصة أن توقيت صدوره كان شديد الحساسية، إذ جاء بعد هجمة جديدة على المبدعين. كما تحاول الورقة مناقشة السياق الذي أفرز القرار، وإلى أي مدى يعبر عن توغل أكثر للرقابة، بغرض بسط نطاق سيطرتها على الأعمال الإبداعية البعيدة عن بؤرة المركز. 

واعتبرت المؤسسة، أن القرار الجديد بمثابة "هجمة جديدة على الإبداع"، إذ سبق صدور القرار بإنشاء مقرات جديدة للرقابة على المصنفات الفنية حدوث هجمة جديدة على الإبداع والمبدعين في مصر. ففي فترة زمنية لا تتعدى أسبوعين، هاجم إعلاميون وصحافيون ومثقفون من المحسوبين على السلطة الحالية العرض المسرحي "سليمان خاطر"، وديوان شعر "خير نسوان الأرض"، والمسؤولين عن العملين، بدعوى ما اعتبروه إساءة للجيش ودعماً للإرهاب احتوى عليهما العملان. كما قُدمت بلاغات ضد المبدعين، أفضت إلى حبس أفراد من طاقم عمل مسرحية "سليمان خاطر"، ومصادرة ديوان الشعر وحبس مؤلفه، باﻹضافة إلى حبس ومطاردة صناع فيلم "سالب 1095 يوم"، وكذلك حبس الراقصة "جوهرة" لاتهامها بإثارة الفجور، كما منعت الرقابة على المصنفات الفنية العرض المسرحي "قبل الثورة".

كما ذكرت المؤسسة أن "موجة الهجوم على المبدعين تزامنت مع كلمة السيسي خلال افتتاح مدينة العلمين، في الأول من مارس/آذار الماضي، حين أعلن أن الإساءة للجيش والشرطة إساءة لكل المصريين، وتساوي في وقت (الحرب) خيانة عظمى"، كما دعا حينها جهات الدولة الإعلامية والثقافية والتعليمية لمراجعة أنفسهم والتصدي دون طلب لمحاولات الإساءة لمؤسستي الجيش والشرطة.


وكانت أزمة مسرحية "سليمان خاطر" التي فجرها الصحافي أيمن بدرة، في صحيفة "أخبار الرياضة"، عدد 27 فبراير/شباط الماضي، قد مثلت أولى تحديات الوزيرة الجديدة آنذاك، إيناس عبدالدايم، على مستوى حرية الإبداع، إذ تسبب مقالة بدرة التحريضية ضد صنّاع مسرحية "سليمان خاطر" في شن حملات صحافية وإعلامية، وصلت إلى تقديم بلاغات ضدهم وحبسهم على ذمة التحقيقات باتهامات، من بينها "إهانة مؤسسة الجيش".

وفي مقالته بعنوان "جريمة ضد الجيش في نادي الصيد"، وصف بدرة المسرحية بأنها عملية تخريبية للشباب المصري في زمن الحرب، وأنها جريمة تهدف لهدم مكانة الجيش، بعد ما تضمنته من إهانات بالغة وسخرية من تضحيات رجال الجيش ودعم للإرهاب وتفكيك لروابط الوطن. وطالب بمحاسبة سريعة للقائمين على العمل، ومن أجازوا عرضه، مضيفًا "لا أعتقد أن قانون الرياضة الجديد ولائحته الاسترشادية وأي لوائح خاصة بالأندية التي تعطي الحرية للجمعيات العمومية قد تسمح أن يتم العبث بمقدرات الدولة والتطاول على جيشها".

في اليوم التالي لمقالة بدرة، أفرد الإعلامي أحمد موسى حلقة برنامجه "على مسؤوليتي" للهجوم ضد المبدعين الذين تناولوا أي من مؤسسات الدولة بالنقد في أعمالهم، وخاصة مؤسستي الجيش والشرطة، وشن هجومًا على وزارة الثقافة، كما انتقد مؤسسات الدولة لتقاعسها في اتخاذ إجراءات ضد "المتطاولين". تضمنت الحلقة خطابًا تحريضيًا ضد القائمين على مسرحية "سليمان خاطر" وبصفة خاصة مخرجها أحمد الجارحي، ومؤلف ديوان "خير نسوان الأرض" الكاتب والشاعر جلال البحيري.

وقد أثار أيضًا ديوان "خير نسوان الأرض" الذي كان مقرراً له أن يُطرح في الدورة الأخيرة من "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، غضب الإعلاميين الموالين للنظام فور الإعلان عن صدوره. جاء الهجوم على الديوان بسبب عنوانه الذي اعتبر سخرية دينية وسياسية، لتحريفه نصًا دينيًا مقدسًا بهدف السخرية من جنود القوات المسلحة، وقد وصفه موسى في الحلقة نفسها بأنه "سفه وعار"، وأكد على أنه يجب أن يموت أولاً قبل السماح لـ "هذا الهراء" بالنشر في مصر.

على إثر حلقة موسى الغاضبة، فسخت "دار ضاد للنشر" تعاقدها مع البحيري، وتبرأت من محتوى الديوان، وأعلنت الدار، في بيان صحافي عن "تضامنها الكامل مع معركة مصر في التنمية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي"، وأضافت "فور علمنا لما بدر من الشاعر تم فسخ التعاقد وإلغاء التعامل معه، وأنه لا صوت فوق صوت المعركة التي يخوضها أبطالنا في سيناء"، كما قدمت بلاغات عدة من مسؤولين وإعلاميين ومحامين ضد صناع الأعمال محل الأزمة.

وكان المحامي طارق محمود قد تقدم ببلاغ ضد الكاتب والشاعر جلال البحيري، اتهمه فيه بالإساءة للقوات المسلحة المصرية، والتطاول على الدين، وتشويه صورة رئيس الدولة.

كما تقدم المحامي سمير صبري بثلاثة بلاغات إلى النائب العام، ونيابة أمن الدولة العليا، والمدعي العام العسكري، ضد كل من الفنان رامي عصام، لإطلاقه أخيراً أغنية "بلحة"، ومؤلف ديوان "خير نسوان الأرض"، ومخرج ومؤلف مسرحية "سليمان خاطر" لما تضمنه العرض من سخرية من تضحيات القوات المسلحة.

وعلى إثر البلاغات التي أحيلت للقضاء العسكري، تجري الآن محاكمات لجلال البحيري، وأحمد الجارحي مخرج العرض المسرحي ومؤلف العرض وليد عاطف ومن ساعدهم في إحضار ملابس عسكرية للعرض. كما أمرت نيابة أمن الدولة بحبس المونتير طارق زيادة 15 يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات بتهمة بث أخبار كاذبة، في فيلم "سالب 1095 يوم"، وضبط وإحضار منتجة الفيلم، سلمى علاءالدين، وعدد من المشاركين في العمل.

أما فيما يتعلق بأزمة الراقصة "جوهرة"، فقد أخلت النيابة العامة سبيلها بكفالة مالية قيمتها 5 آلاف جنيه على ذمة التحقيقات في القضية المتهمة فيها بالتحريض على الفسق والفجور، وإثارة الغرائز عبر إيحاءات جنسية، والعمل من دون ترخيص.

وكانت شرطة السياحة قد حررت محضرًا ضد الراقصة روسية الأصل، إيكاترينا اندريفا، بعد انتشار فيديو على موقع "فيسبوك" تؤدي خلاله رقصة. ورأت التحريات أن الراقصة ارتدت في المقطع المصور بدلة رقص شبه عارية (من دون شورت)، وغير مطابقة للمواصفات، وتظهر فيها مفاتن جسدها، علاوة على استخدام يدها في الإشارة على أجزاء حساسة من جسدها، لإثارة غرائز الشباب.

ورأت المؤسسة أن "هذه الهجمة وضعت وزارة الثقافة في أزمة مع النظام"، كما ووصفت "أداء الوزارة وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية بالمتراخي، لعدم قدرته على الإلمام بما يخرج من المشهد الثقافي بما يسمح بمراقبته لإجازة أو منع الأعمال، واتخاذ ما يلزم ضدها من إجراءات قبل خروجها للعرض العام. كما وضعتها في أزمة مع المبدعين لتقاعسها في أداء دورها في دعم الثقافة والمثقفين، وفي تشكيل ذراع قوية تحمل عبء الحركة الثقافية المصرية، بما يسمح بخلق أرضية عمل خصبة ومحفزة للمبدعين تخولهم لخلق وعرض منجزهم الإبداعي".

المساهمون