مؤتمر باريس بين الخداع والوهم

مؤتمر باريس بين الخداع والوهم

26 يناير 2017
+ الخط -
باءت كلّ محاولات إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل بالفشل، حيث توقفت هذه المفاوضات على إثر استمرار دولة الإحتلال بتشييد الإستيطان في كل أرجاء الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية.
مرّت عملية السلام بمراحل عديدة بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وكان ينبغي أن تبدأ مفاوضات الوضع النهائي عام 1999، لتقوم دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيع اتفاق المبادئ، ثم مُدّدت عاماً لتبدأ مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، والتي لم يتمخض عنها سوى معرفة السقفين، الفلسطيني والإسرائيلي، الممكنين في ذلك الوقت.
وصلت القناعة لدى القيادة الفلسطينية، برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات آنذاك، إلى أنّ الدولة العِبرية والدول الراعية لعملية السلام، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، قد غرّرت بها وخدعتها واستدرجتها وأوقعت بها، عندما تنازلت عن الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية، وذلك باعترافها بقراري مجلس الأمن 338،242، اللذاين يتحدثان فقط عن عدوان عام 1967، والذي تمّ بموجبه احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، مقابل دولة فلسطينية منزوعة السلاح على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967. ومن هنا، كانت الأسباب الحقيقية لاندلاع انتفاضة الأقصى التي اتسمت بالعمل المسلح والعمليات التفجيرية.
ما الذي تغيّر بعد انطفاء جذوة انتفاضة الأقصى؟ واصلت الحكومة الإسرائيلية عمليات المصادرة للأراضي الفلسطينية، وواصلت عمليات البناء الاستيطاني، وخصوصاً في شرقي القدس المحتلة، ثم قامت ببناء جدار فاصل قضى على مساحات واسعة من الضفة الغربية وعزل مدينة القدس عنها، وأبقى خارج جدار مدينة القدس أكثر من مئة ألف مقدسي. وحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإنّ الأراضي التي فُقدت بسبب الجدار هي 1.61 مليون دونم، أي أكثر من 20% من أراضي الضفة الغربية المحتلة.
الإجراءات الإحتلالية التي تقوم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتثبيتها على الأرض، عدا عن الإعتداءات على مدينة القدس والمسجد الأقصى، والتي تتواصل ساعة بساعة، تفيد، من دون أدنى شك، بأنّ الإحتلال ماضٍ في مخططات التهويد والسيطرة التي قضت على مفهوم حل الدولتين، وإنّ الواقع المحيط بالقضية الفلسطينية في هذه الأوقات يجعل الصراع يدور بين طرفين غير متكافئين، وأنّ الأسباب التي ستُفشل كلّ لقاءات التسوية السلمية متوّفرة، وكلّ الحراكات الحاصلة هي لذر الرماد في العيون، ولبيع الوهم على الشعب الفلسطيني.
جاء مؤتمر باريس للسلام الذي افتتح في 15/1/2017، في وقت عانت فيه عملية السلام من إخفاق كبير في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، ومن انقطاع في مجرياتها، فكان ردّا على الفتور والانشغال الدولي عن القضية الفلسطينية، ولكنّ نتائجه لا تقاس بالأحلام الوطنية الفلسطينية، فقد صرّح محمد شتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في مقابلة لتلفزيون العربي في20/1/2017، بأنّ المؤتمر عجز عن قضايا جوهرية منها، تحديد سقف زمني لانهاء الإحتلال، وتحديد مرجعية حيادية ملزمة لعملية السلام، وقال إنّ اتساع المشاركة السياسية في المؤتمر جاءت على حساب البيان الختامي للمؤتمر الذي ساوى بين دولة الإحتلال والفلسطينيين، عندما طالب طرفي النزاع "ببرهنة تمسكهما بحلّ الدولتين، من خلال اعتماد سياسات وأفعال واضحة تدعم هذا الحل"، وطالب الطرفين "بنبذ العنف".
يجمع مراقبون كثيرون على أنّ مؤتمر باريس فشل، لأنّه لم يخرج بنتائج عملية ملزمة لردع الإحتلال، وهو لم يكن سوى تحريك للمياه الراكدة. وفي هذا السياق، صرّح الرئيس الفرنسي "أنا واقعي بشأن ما يمكن أن يحقّقه المؤتمر. لن يتحقق السلام إلا من خلال الإسرائيليين والفلسطينيين... لا أحد غيرهم. المفاوضات المباشرة فقط هي ما يمكن أن ينجح".
تصريحات الرئيس الفرنسي بالضبط هي موقف نتنياهو الذي يدعوالفلسطينيين إلى مفاوضات مباشرة من دون شروط. ومما يؤكد ذلك أيضا محتوى المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، مع نتنياهو قبيل إلقائه كلمته في المؤتمر، ووعده بأن لا يكون لمؤتمر باريس خطوات تكميلية في مجلس الأمن، وهذا لا يدل إلاّ على الوهم والخداع الذي انطوى عليهما المؤتمر، وبالتالي، ستشهد الفترة المقبلة مزيداً من الإهمال والتناسي للقضية الفلسطينية، وسيكون مؤتمر باريس في خبر كان، إذ لم تتغيّر الأجندات الدولية. وزيادة عليها، فإنّ القادم هو رئيس أميركي منحاز بالكامل للإستيطان ودولته، والسؤال هو: ما هي الأجندة الفلسطينية العملية للمرحلة القريبة؟
ترى شريحة من الشعب الفلسطيني أنّ من أهم العوامل التي تضعف الموقف الفلسطيني هو القناعة بإمكانية التسوية السلمية، على الرغم من هول الإجراءات على الأرض، ومن دون البحث عن برامج سياسية، تعتمدها القيادة الفلسطينية ومعها الفصائل، والشعب الفلسطيني، كخيارات بعيدة عن خيار التفاوض، لتحصيل الحق الفلسطيني، وهذا يتطلب التوافق الفلسطيني بحدّه الأدنى، والقيام بجمع شمل الفلسطينيين على أساس الشراكة السياسية، وترك الجزئيات المسبّبة للإنقسام فيما يتعلّق بالإدارة وطريقة الحكم، وأن لا يتم التعامل مع الأحداث بردّات الفعل، بل بالتخطيط والوحدة والإعداد.
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
جمال حاج علي (فلسطين)
جمال حاج علي (فلسطين)