مؤتمر العلوم الاجتماعية: الشباب خارج حدودهم

مؤتمر العلوم الاجتماعية: الشباب خارج حدودهم

21 مارس 2017
(تصوير: هوارد ديفز)
+ الخط -

اختتم الإثنين (20 مارس/آذار) المؤتمر السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي نظّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة أعماله وقد ناقشت جلسات المؤتمر موضوعين؛ الأول "الشباب العربي: الهجرة والمستقبل" والآخر "سؤال الأخلاق في الحضارة العربية الإسلامية".

ناقشت جلسات المؤتمر مواضيع الهجرة، بالأخص هجرة الشباب العربي، على مدار ثلاثة أيام، في محاولة لطرح أبعاد جديدة لتفكيك الظاهرة من عدة نواحي؛ أي ليس من ناحيتها كناتج لنمو سكاني متزايد، بقدر ما هي ظاهرة مرتبطة بمسائل التنمية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في مجتمعاتنا العربية، بالإضافة إلى ضعف الفرص المتاحة للمشاركة السياسية والاجتماعية.

وفق الأوراق المقدمة في المؤتمر؛ فإن مؤشرات البنك الدولي لعام 2009 تظهر أن عدد المهاجرين العرب وقبل الثورات العربية كان نحو 13 مليونًا، يتركز أكثر من 10 ملايين منهم في الولايات المتحدة وأوروبا، وينتشر ما تبقى منهم في الدول العربية وفي مقدمتهم دول الخليج العربية. وكان للشباب النصيب الأكبر من تلك الأعداد؛ إذ بلغ نسبة من هم دون سن الخامسة والثلاثين ما يقارب ثلاثة أرباع المهاجرين في اتجاه المؤشرات العام.

ناقشت العديد من الأوراق هجرة الشباب في المغرب العربي، فقد بين الباحث إبراهيم المرشيد في ورقته التي كانت تحت عنوان: "الهِبة الديموغرافية في العالم العربي: نعمة أم قنبلة موقوتة؟ المغرب نموذجًا"، أن المغرب دخل في مرحلة الهبة الديموغرافية والتي نتجت عن التراجع المستمر في معدل النمو السكاني مما نتج عنه ارتفاع في حجم شريحة الشباب، وقد أوضح المرشيد أنه وبرغم أن هذه الهبة مؤقتة ولا تستمر لأكثر من 20 عامًا، إلا أن المغرب لم يستثمرها لتسريع عجلة النمو الاقتصادي؛ ما أدى إلى تحولها إلى نقمة تسببت بارتفاع في معدلات البطالة وزيادة عوامل الطرد المسببة للهجرة.

يتوافق مع هذه الأطروحة العديد من الأوراق التي تقدمت، ومن أبرزها بحث بعنوان: "هجرة الشباب المغربي إلى الخارج بين الواقع الاقتصادي ووهم التنمية" لـ خديجة عونة التي أوضحت أن هجرة الشباب المغربي لن تتوقف في ظل القصور المستمر لسياسات التنمية التي لا تستجيب لتطلعات الشباب.

من ضمن الجلسات، كان للمهاجر الفلسطيني حضور في دوائر النقاش، فقد أوضح محمد دريدي مدير دائرة إحصاءات السكان في الجهاز في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن الشباب الفلسطيني له النصيب الأكبر من الشباب المهاجرين من العالم العربي، مشيرًا إلى أن نسب التعليم عالية بين الفلسطينين وأن الدراسة والبحث عن فرص عمل من أهم دوافع هجرتهم التي تتركز اتجاهاتها نحو دول الخليج العربي والأردن والولايات المتحدة.

إضافة إلى ذلك، تقدمت حلا نوفل بورقتها بالشراكة مع الباحث والأكاديمي يوسف كرباج بعنوان: "الفلسطينيون في العالم" التي ناقشت تراجع نسب الخصوبة في فلسطين، مقابل تزايدها بين اليهود الإسرائيلين، وأوضح الباحثان أن الصعوبات الاقتصادية من أهم العوامل التي تسببت في تراجع نسب الإنجاب عند الفلسطينين.

أما حول العرب في دول اللجوء، فقد اعتبر أستاذ علوم الإعلام والاتصال داود جفافلة أن في ورقته التي قدمت مقاربة نقدية لصناعة الخوف من الآخر "اللاجئين" بأن وسائل الإعلام الفرنسية حولت اللاجئ السوري إلى قضية مصيرية للمواطن الفرنسي، من خلال خطابها العنصري الذي يعتمد على التخويف من اللاجئين.

بينما تقدم الباحث المغربي زهير سوكاج بورقته بعنوان "صورة الشباب العربي اللاجئ في الصحافة الألمانية: نموذج مجلة دير شبيغل" التي ناقش فيها الخطاب الفوقي التمييزي بين الذات الغربية والآخر "الشاذ" (اللاجئ) موضحًا أن هذا الخطاب تدرج زمنيًا في ثلاث مراحل؛ كان أولها مرحلة التماهي مع التعاطف الشعبي من ثم مرحلة التخويف والتوجس، وصولًا إلى المرحلة الثالثة التي تعاملت بنفعية مع شبابية هذه الموجات المهاجرة، وبدأت تتحدث عنها كفائدة ديموغرافية واقتصادية.

لم تخلُ الجلسات من النقاش حول الهجرة والجندر وهجرة الفتاة العربي كموضوع جوهري بعد أن اختلفت مواقف بعض المجتمعات العربية اتجاه هذه الهجرة بحسب ما يرى الباحثون المشاركون في المؤتمر.

فقد أوضحت أستاذة علم الاجتماع عائشة التايب، أن ظاهرة هجرة الفتيات إلى مناطق وبؤر النزاع والالتحاق بجماعات متطرفة تتشابه مع هجرتهن إلى أوروبا، وأسندت هذه الظاهرة إلى أسباب تتعلق بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي للمرأة العربية. فيما عرضت الأستاذة ماريز يونس ورقتها التي تحدثت عن هجرت العاملات اللبنانيات إلى دول الخليج، موضحة أن أهم الأسباب التي تقف وراء هجرتهن تتلخص في الأوضاع المعيشية السيئة في لبنان، ورغبتهن في الاعتماد على النفس وتحقيق الاستقرار الذاتي.

سؤال الهجرة مقترنًا بالازدياد الكمي للشباب في مجتمعاتنا العربية هو سؤال ملح، خصوصًا مع التذبذب في موجات التطرف بين الشباب خاصة بعد الثورات العربية وتزايد عوامل الطرد والتنفير وتراجع فرص العيش وتحقيق الذات.

إلا أن المؤتمر لم يجب عن تساؤلات عدة من بينها ما هي المشاريع التي يسعى إلى تحقيقها هؤلاء المهاجرون الشباب، واتجاهات هجرتهم مقرونة بفرص تحقيق تلك المشاريع، فالمتابع للنقاشات على هامش الجلسات والأوراق البحثية يلاحظ غياب التجارب الشبابية، مع التركيز على أطر نظرية لم توضح الفرق في مسببات ودوافع الهجرة والانشغال بالغرب لتفرق بين موجات الهجرة في بداية القرن الماضي وموجات الهجرة الحديثة، ولا سيما بعد الثورات العربية.

كما أن العديد من الأوراق ركزت على مفاهيم عامة، خلطت في بعض الأحيان ما بين اللاجئين والمهاجرين، وتحوُّل اللاجئين إلى مهاجرين، في حين كان يمكن فصل موضوع اللاجوء القسري ودوافعه وتوابعه الاجتماعية لنقاش أوسع. أيضًا مع غياب شبه تام لمواضيع تعني بالمهاجرين العرب إلى دول الخليج وأوضاعهم وتركيبتهم والفروقات ما بين تجارب الهجرة إلى الخليج وتجارب الهجرة إلى دول عربية أخرى. وبشكل عام، فإن محور الهجرة من وإلى الدول العربية كان غائبًا عن معظم النقاشات وتم التطرق له بشكل هامشي.

من خلال متابعة الجلسات ومحاورها، يلاحظ أن أغلب الأوراق المقدمة تمركزت حول تجربة الهجرة في المغرب العربي (المغرب والجزائر)، رغم أنه حسب نتائج المؤشر العربي لعام 2016 فإن 24% من مواطني المنطقة العربية يرغبون في الهجرة، خُمس هؤلاء بدافع عدم الاستقرار الأمني، كان من بينهم ثلثا العراقيين وثلث اللبنانيين وربع الفلسطينيين و11% من المصريين، الذين لم يتم التطرق إلى تجارب هجرتهم بما يتناسب مع هذه النسب العالية. أيضًا لم يجب المؤتمر عن اسئلة الهجرة المتعلقة بسياسات واضحة تضمن إعادة كسب العقول المهاجرة.

المساهمون