مؤتمر "شباب الكيكي" في مصر

مؤتمر "شباب الكيكي" في مصر

06 اغسطس 2018
+ الخط -
صور ورسائل عديدة تضمنها مؤتمر الشباب الذي عقد أخيرا في جامعة القاهرة. مرّ عامان على انطلاق المؤتمر الأول في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، العام الذي شهد توسعا فى تطبيق ما سميت خطة الإصلاح الاقتصادي، والتي تضمنت إجراءات تقشفية واسعة، وفرض للضرائب، أدّت إلى ارتفاع شامل لأسعار السلع والخدمات. وأمام هذا العبء الاقتصادي، صعدت وتيرة التململ والغضب، ما استدعى تكثيف الدعاية لتبرير هذه الإجراءات التي اعتبرها النظام ضروريةً لإنقاذ الدولة التي كادت أن تسقط، على حد تعبيره في المؤتمر الأول، وطالب الإعلاميين بإحداث فوبيا حول مصير الدولة في المؤتمر الرابع، بينما برّرها في المؤتمر السادس بقوله إنه لولا الإصلاح لساد الخراب مصر.
أقيمت مؤتمرات الشباب لأغراض عديدة، أبرزها إيجاد منابر دعائية لتبرير سياسات النظام، 
ومخاطبة الجمهور بضرورة التّحمل والصبر، وأيضا إبراز ما تحقق من إنجازات ونجاحات، بالإضافة إلى تشكيل مجموعات شبابية تابعة للسلطة ظهيرا له، بينما كل الشعارات حول الإبداع والانطلاق وثقافة الحوار وقبول الآخر والتنوع الثقافي وبناء الإنسان مجرد أوهام، تكشفها، قبل كل شيء، طبيعة المشاركين فى المؤتمر، الذين يمثلون لونا سياسيا واحدا وانحيازا طبقيا مشتركا، يساند سياسات ظالمة ومفقرة.
توفر اللقاءات والملفات التي يتم مناقشتها في مؤتمر الشباب مادة دعائية لوسائل الإعلام، تتداولها لصنع صورة محسّنة للنظام، بما فيها المواقف المرسومة والأشخاص المختارون بعناية، والأسئلة التي توجه إلى المسؤولين، حتى الصورة البصرية تمر بفلاتر عديدة، لتخرج لنا صورة براقة لامعة، تخفي تهافت الخطاب، وسذاجة المدخلات، وانفصالها عن هموم المجتمع، المطلوب تحديدا ترويج الأوهام عن المستقبل المشرق "العجب العجاب"، فضلا عن الإيهام بوجود حوارٍ بين الشباب والسلطة، من دون الالتفات إلى طبيعة الحوار والمشاركين فيه، إن كان هناك حوار بالأساس، وليس مجرّد منصة للحديث، ومتلقين ومطبلاتية.
لا تلغي الصور البرّاقة رسائل التهديد هنا وهناك، سواء المباشرة أو المستترة، مرة لمن تبقى من قوى المعارضة، أو من لم تشملهم أدوات الضبط من صحافيين وإعلاميين وكتّاب، ولم يخل المؤتمر أخيرا من تبرير صور القمع منذ 30 يونيو/ حزيران 2013، باسم الحفاظ على بنية الدولة.
كرّر النظام تبريره، في المؤتمر أخيرا، سلسلة القمع الذي مارسه، بدايةً من الاعتقالات وفض المظاهرات، وصولا إلى إعلان غضبه من "هاشتاغ ارحل يا سيسي"، والذي قوبل حينها بدفاعٍ منظم من وسائل الإعلام التابعة لمجموعة "إعلام المصريين"، والتي تديرها أجهزة الدولة، لكنها تأخذ شكل الشركة الخاصة.
لا يمكن مناقشة كل ما جاء في جلسات المؤتمر، وإنما يمكن التركيز على صورتين تُفهم، من خلالهما، تركيبة النظام وحلفائه، وكذلك فهم مرتكزات الخطاب الذي ينتج من هذه التشكيلة الاجتماعية والسياسية.
يعد خطاب المؤتمر إعادة إنتاج وإعلان لخطاب تبرير التقشف، أعلن النظام أنه بدونه سوف تُصاب مصر بالخراب، واعتبر الخطاب أن الإنجاز الاقتصادي لا يُقاس بمدى انخفاض الأجور، وزيادة أسعار الخدمات والسلع، فتلك الكوارث، من وجهة نظره، أدوات وثمن للبناء والإصلاح، بل طالب بمزيدٍ من الصبر والتحمّل، لأن الدولة بصدد تطوير التعليم، وعلى المصريين الاستعداد لدفع الثمن، وكأن الدولة شركة خاصة، وهو الأمر المقلق، خصوصا مع غموض خطط تطوير التعليم، والتلميحات بزيادة أسعار خدماته، في ظل توجه الدولة إلى الاقتراض من البنك الدولي، والذي يتم غالبا بالتزامن مع تنفيذ رؤيته في تحرير التعليم والتعامل معه بوصفه سلعة.
اتسمت صورة المؤتمر البصرية بالإبهار، بدايةً من تجميل الجامعة وقاعاتها، وصولا إلى الوجوه الإمعة والملابس الأنيقة، ولا غرابة فى ذلك، فأغلب الحضور مختارون بمقاييس محدّدة، منهم خريجو البرنامج الرئاسي، مع بعض وجوه للمعارضة الشبابية المستأنسة (تنسيقية
 الأحزاب) والشخصيات الشبابية والإعلامية الباحثة عن مساحة بجانب السلطة، أو منصب في أي مؤسسة حكومية، ومن تبقوا هم مسؤولون حكوميون ورجال إعلام وأعمال، وقيادات تنفيذية وأمنية.
لم تكن الصورة كما أراد الإخراج الحكومي أن تظهر أن المسؤولين والوزراء في ضيافة الشباب. في الحقيقة، كان الشباب مجرّد مستمعين ومتلقين للخطاب الرسمي، من مؤسسة الرئاسة والوزراء، ولم نر آراء تخالف السلطة، فلا تنوّع هناك في الآراء، ولا رسائل متبادلة، ولا عملية اتصال حقيقية. تُشعرك بعض المشاهد بأنك أمام مجاميع من الكومبارس، يضحكون حين يشير إليهم المخرج، كومبارسات مندمجة مع البطل النجم الأوحد، القائد، يضحك معه الحصور ويصفّقون.
حين مازح عبد الفتاح السيسي الشباب حول تقليعة رقصة الكيكي، والتي يخرج فيها قائد السيارة في أثناء قيادتها ليرقص فى الشارع، انفجر الحضور بالضحك، ليكتمل المشهد بأن يزيد وزير البترول أسعار البنزين من دون قلق، وكأن المصريين كلهم يرقصون خلف سياراتهم، وهو مشهدٌ واضح في دلالته على الانفصال الاجتماعي عن الشعب الذي يجري وراء الحافلات العامة، وينحشر في محطات المترو والميكروباص، على الرغم من غلاء أسعارهما.
كانت صورتان لافتتين في المؤتمر، الأولى ترقية وزير الدفاع إلى فريق أول، ووضع النياشين على كتفه بواسطة شاب وشابة من المشاركين فى المؤتمر، ليتم تأكيد أن مصدر الحكم الجيش، برضى الشعب والشباب، وأن القاعة التي شهدت حلف الرئيس اليمين الدستورية، بعد تفويضه، هي نفسها التي تشهد ترقية وزير الدفاع الحالي، إنما الواقع يثبت أن ثورة يناير، وحتى أغلب قادة حراك "30 يونيو"، لم يطالبوا إلا بحكم مدني وبدولة وانتخابات ديمقراطية. الصورة الثانية، وتمثل تحدي السلطة وجبروتها، حضور رجل الأعمال، طلعت مصطفى، المؤتمر، والذي تم الإفراج عنه أخيرا، لأسباب صحية، لكن الرجل فيما يبدو تعافى، وعاد إلى ممارسة سابق دوره، يساند النظام، ويشاركه مشروعاته الاقتصادية والعمرانية، ويتبادل المصالح، ويدفع الديه عن جريمة القتل التي دين فيها. ويعود طلعت مصطفى ورفاقه إلى قيادة موقعه في قبيلة السلطة، المكونة من رجال الأعمال والأمن الذين يشكلون تركيبة اجتماعية وسياسية حاكمة، ترفع الأسعار، وتستغل المواطنين وموارد الدولة، لتزيد من أرباحها، وتعمق مكانتها السياسة والاقتصادية، كل هذا تحت مباركة مؤتمر شبابهم، شباب الكيكي.

D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".