مآسي الانتحار في الحسكة

مآسي الانتحار في الحسكة

18 يوليو 2020
شهدت القامشلي وقائع انتحار عدة (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

ارتفع عدد وقائع الانتحار في محافظة الحسكة، شمالي شرق سورية، لا سيما في مدينة القامشلي، منذ مطلع العام الجاري، حتى أنّ أطفالاً ومسنين أنهوا حياتهم، لأسباب كانت خفية عن الوسط الذي يعيشون فيه، مع غياب الدعم النفسي والمجتمعي.
في هذا الإطار، يعرّف اختصاصي الأمراض النفسية، الطبيب ماجد فهيم، لـ"العربي الجديد" الانتحار بأنّه أيّ فعل ينهي به الشخص حياته، هرباً من المعاناة واليأس والظروف التي يعتقد الشخص أنّها خارج إرادته، وعدم القدرة على السيطرة وضبط النفس. يشير إلى أنّ الانتحار من وجهة نظر الطب النفسي حالة تدلّ على شخصية غير سويّة، فالمنتحر وصل إلى مرحلة من اختلال التوازن النفسي، وبالتالي ستكون تصرفاته غير منطقية، واندفاعية، من دون التفكير بالعواقب.

المرأة
التحديثات الحية

تختلف نسب الانتحار باختلاف العوامل، ويقول فهيم: "تختلف نسبة الانتحار باختلاف الفئة العمرية ومستوى المعيشة والثقافة السائدة في المجتمع، إذ تزداد في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، وتزداد بين فئة الأعمار من 16 إلى 25 عاماً، وذلك بسبب الاندفاعية الناتجة عن عدم النضج واكتمال الشخصية وعدم تحكيم العقل. كذلك، تزداد في فئة 70 عاماً وما فوق خصوصاً في الدول الغربية، بسبب نمط الحياة الذي يفرض نوعاً من العزلة ويسبب الاكتئاب. والأخير من أهم أسباب الانتحار. ويعتبر الانتحار في المرتبة العاشرة بين أسباب الوفيات في العالم، فيما نسبة الانتحار لدى الذكور أعلى منها لدى الإناث، وأساليب الانتحار لدى الذكور أكثر عنفاً. كذلك، فإنّ الإناث تزيد لديهن محاولات الانتحار أكثر من الذكور". ويلفت فهيم إلى أنّ الشخص الذي سيقدم على الانتحار عادة ما يعبر للآخرين عن رغبته في الانتحار، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، للدلالة على يأسه من الحياة، كأن يقول إنّ الحياة لا تستحق أن نعيشها. وهو ما يصنف كمطلب للمساعدة بشكل غير مباشر".
وعن أسباب الانتحار في الحسكة بالذات، يقول الطبيب: "الاضطرابات النفسية (لا سيما الاكتئاب) نسبتها 40 في المائة من أسباب الانتحار. وهناك الخلل في العلاقات الأسرية والزوجية، وغياب الدعم الاجتماعي، والبطالة وسوء الحالة الاقتصادية، بالإضافة إلى إدمان الكحول والمخدرات، والأزمات والضغوط النفسية المفاجئة (خسارة مالية أو فقدان شخص عزيز)". ويلفت إلى أنّ "لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً دوراً سلبياً في التشجيع على الانتحار، فضلاً عن ظروف الحرب والنزوح ومشاهد القتل والتعذيب والدمار التي تسبب ضعف الرقابة على الأطفال، وسهولة الحصول على المواد المخدرة والإدمان".
أما عن الحلول وطرق الوقاية والتوعية من الانتحار، فيوضح فهيم: "تتطلب الحلول تضافر جهود المجتمع في المستويات كافة، فضلاً عن رفع مستوى الوعي الصحي وضرورة معالجة الاضطرابات النفسية قبل تفاقمها، والحدّ من الاستهلاك الضارّ والمتزايد للكحول، وتأمين فرص عمل للشباب، ونشر الوعي المجتمعي وذلك من خلال الندوات والمحاضرات، وضرورة الترابط والدعم الأسري، والابتعاد عن النزاعات والخلافات الأسرية المؤثرة على الأطفال".
للمدرس الخمسيني سلام المحمد، المقيم في مدينة القامشلي، بدوره، تفسيرات لوقائع الانتحار في الحسكة، إذ يقول لـ"العربي الجديد": "من خلال عملي كمدرس لسنوات في المنطقة، لاحظت أنّ الشبّان هم الأكثر ميلاً للانتحار، فمنهم من خاض تجربة عاطفية لا يدرك أبعادها، ومنهم من يواجه تهميشاً من العائلة فيجد نفسه بعيداً عن دائرتها، ولا يمكن لها استيعابه، فيفكر بالانتحار للفت النظر لنفسه". يضيف: "بالرغم من ظروف الحرب التي نمرّ بها، علينا فهم فئة الشباب خصوصاً من هم في سن المراهقة، واستيعابهم وتقديم الدعم لهم، ومراقبة تصرفاتهم ومعرفة ما إذا كانت لديهم إشارات تدل على إقدامهم على الانتحار. أيضاً، بالنسبة للأطفال، هناك مشاكل كثيرة تتسبب بها مشاهدتهم لبرامج عبر مواقع التواصل الاجتماعي غير خاضعة للرقابة الأبوية، فالطفل يمتص أيّ مشهد عنيف ولا يمكن أن يدرك حجم الخطر، وقد يحاول تقليد مشاهد معينة تتسبب بموته، لذلك على المجتمع التركيز على فئتي الشباب والأطفال بالدرجة الأولى كونهما الأكثر عرضة للانتحار".
فيصل، أحد المطلعين على قضية انتحار الستيني "ب.ع." يقول لـ"العربي الجديد": "يبلغ من العمر 65 عاماً وكان يعاني من اضطرابات نفسية دفعته لإلقاء نفسه من فوق جسر للمشاة بحي جودي شرقي القامشلي. لم يكن يخرج من المنزل، لكنّه استغل فرصة خروج زوجته حينها ليلقي بنفسه ويقضي متأثراً بجراحه".
وكان الشاب "ج. ي." (23 عاماً) من مدينة القامشلي، أقدم على الانتحار بعد قصة حبّ لفتاة من إثنية تختلف عن إثنيته، فعارض أهله الزواج بها، ليسافر إلى أوروبا، ويعيش حالة من الصدمة كما نقل أحد أقاربه لـ"العربي الجديد"، ليقدم على محاولة انتحار، عاد إثرها إلى سورية، ليحاول الاندماج والعمل وبدء حياة جديدة، ويعيش مجدداً جواً من العزلة والحزن وينهي حياته أخيراً.

يقول مصدر خاص لـ"العربي الجديد" إنّ "أ. ك." الذي يبلغ من العمر 50 عاماً، كان متزوجاً ويحمل شهادة جامعية ويعمل في منظمة تختص بالزراعة، لكنّ ظروفه حالت دون تمكنه من الزواج ثانية من زميلة له بسبب رفض أهلها، كونه متزوجاً، ليقدم على إطلاق النار عليها متسبباً لها بجراح خطرة، وينتحر على الفور.
تشير إحصائيات محلية إلى أنّ عدد وقائع الانتحار في محافظة الحسكة السورية منذ بداية العام الجاري، وصل إلى أربع عشرة حالة.

المساهمون