ليلى سويف لـ"العربي الجديد": الوضع المصري الحالي لن يطول

ليلى سويف لـ"العربي الجديد": الوضع المصري الحالي لن يطول

18 يونيو 2014
سويف: قد يغامر السيسي خارجياً مما سيعقّد الأزمة(العربي الجديد)
+ الخط -

ترى الناشطة المصرية، ليلى سويف، أنّ فترة حكم الرئيس المعزول، محمد مرسي، والفترة التالية لانقلاب 3 يوليو/تموز الماضي، كشفت عن تخاذل من يُطلق عليهم "النخب السياسية" في مصر. وتشير، في حوارها مع "العربي الجديد"، إلى أن "مستقبل المصالحة بين فرقاء الثورة مشروط بإزاحة أصحاب الفكر السلطوي من كافة التيارات السياسية، خصوصاً من مراكز صناعة القرار".

وحول ما يتعلّق بالأوضاع داخل الجامعات، قالت القيادية اليسارية في حركة "9 مارس لاستقلال الجامعات"، إن "تكثيف العام الدراسي يؤكد أن التعليم ما زال في أسفل أولويات الدولة المصرية"، محذرةً من "المساس بمجانية التعليم، لأنه سيضع الحكومة في مواجهة الطلاب والمجتمع بأكمله".

* لماذا قررتِ التضامن مع المعتقلين عبد الله الشامي (قبل الإفراج عنه) ومحمد سلطان؟

-
ندعم المعتقلين كافة بشتى السبل؛ نعدّ عنهم تقارير، ونجمع لهم الكفالات، ونوفر لهم الإعاشة، لكني قررت، وعايدة سيف الدولة، التضامن مع مراسل قناة "الجزيرة الإخبارية"، عبد الله الشامي، والمعتقل، محمد سلطان، بإعلان إضرابنا عن الطعام بسبب تدهور حالتيهما الصحية نتيجة إضرابهما عن الطعام ما سيخلف لديهما أضراراً صحية مزمنة حتى لو حصلا على العلاج.

"
ندعم المعتقـَلين كافة بشتى السبل؛ نـُعِدُّ عنهم تقارير، ونجمع لهم الكفالات، ونوفر لهم الإعاشة

"

* برأيك هل حقق إضرابك النتائج المرجوة منه؟

- يمكنني القول إن النجاح الوحيد، الذي حققناه، أننا سلطنا الضوء على قضيتهما، وصدر قرار بالإفراج عن الشامي؛ ونعتزم تنظيم مؤتمر عن كافة المعتقلين المضربين عن الطعام في السجون ومقار الاحتجاز في "مركز هشام مبارك للقانون"، الخميس المقبل.

* ما تقييمك لموقف "المجلس القومي لحقوق الإنسان" من قضية المعتقلين؟

- لو كنت مكانهم، كنت سأصر على زيارة السجون والاطمئنان على أوضاع المعتقلين؛ لكن للأسف كل أعضاء المجلس متخاذلون. أرى أن إصرار أعضاء المجلس على عدم الاستقالة تخاذل؛ ونحن توقعنا منهم موقفاً مغايراً، لكنهم يصرون على البقاء، ويقبلون على أنفسهم الصمت على ما يحدث. ويجب ألا نشتت الانتباه بعيداً عن المسؤولين الحقيقيين عن وضع المعتقلين في السجون المصرية؛ فالنيابة العامة هي المسؤولة بشكل رئيسي عما يحدث؛ لأنها هي التي تصدر قرارات تجديد حبس المعتقلين، ولا تفتش على السجون. وأُحمّلُ كلَّ قاضٍ، جدّدَ حبس هؤلاء الشباب، مسؤولية ما يحدث.

"
نعتزم تنظيم مؤتمر عن كافة المعتقلين المضربين عن الطعام في السجون

"

* هل يعكس هذا الحال التي وصلت إليها مؤسسة القضاء بعد 30 يونيو/حزيران الماضي؟

-
الحقيقة أن الأمر بدأ قبل هذا التاريخ، لكنه تصاعد ووصل إلى قمته بعده؛ فأصبحت مؤسسة القضاء لا صلة لها بالقانون أو العدالة، وهي أحد مراكز القوى في المجتمع، لها مصالح ذاتية تدافع عنها، ولها أيضا مواقف سياسية. يقول البعض إن القضاة يتلقون تعليماتهم من وزارة الداخلية، وهذا غير صحيح في رأيي، لأن القضاة يعادون الشباب والثورة من تلقاء أنفسهم.

* هل تجلت أزمة المؤسسة القضائية في واقعة إصدار حكم غيابي ضد نجلك، علاء عبد الفتاح، رغم وجوده في المحكمة؟

-
بغضّ النظر عن أن الحكم بحبسه 15 عاماً، على خلفية اتهامه بخرق قانون التظاهر، يُعتبر ضرباً من الجنون، إلا أن الطريقة، التي تم اعتقاله بها أشبه بالكمين، وتكشف عن التواطؤ بين قاضي الدائرة، محمد الفقي، المتهم سابقاً بتزوير الانتخابات لصالح مرشحة الحزب "الوطني" المنحلّ، آمال عثمان، في عام 2005، والتي أصدرت حكماً غيابياً ضد علاء، على الرغم من وجوده في المحكمة، من جهة، وأجهزة الأمن التي سارعت إلى اعتقاله فور صدور الحكم من جهة ثانية.

"
أصبحت مؤسسة القضاء لا صلة لها بالقانون، أو العدالة. لها مصالح ذاتية تدافع عنها

"

ومن المنتظر أن تُعاد إجراءات المحاكمة الغيابية، لكن للأسف أمام القاضي نفسه. لهذا أتوقع استمرار حبس ولدي فترة طويلة، إذا لم يحدث تغيير في السياسة العامة للدولة.

* برأيك هل تؤثر الأزمة، التي تعيشها مؤسسة القضاء، على السلم الاجتماعي على المدى البعيد؟

- نعيش حالياً حالة من التشاحن الاجتماعي، وجزء منها مسلح؛ فالأمر أشبه بالحرب الأهلية ولكنها أقل حدة وكثافة، والسلم الاجتماعي في حالة سيئة ورديئة. هناك شباب يُقتلون يومياً على يد وزارة الداخلية، وهناك أيضاً مسلحون يستهدفون قوات الشرطة فضلاً عن وجود حالة عامة من العنف خارج عالم السياسة، تتحمل السلطة الحاكمة مسؤولية حالات العنف المتسعة على مستوى المجتمع لأنها مسؤولة عن حفظ السلم الاجتماعي.

وتتحمل أجهزة الدولة، من جيش وشرطة وقضاء، هذه المسؤولية بشكل أساسي، لكنها تحولت، للأسف، من حماية المجتمع وضبطه إلى القمع والبطش، وكلما استمرت هذه الحال، تصاعد العنف ووقعت تفجيرات أكثر عنفاً وخطورة.

"
الغالبية العظمى، ممن يُطلق عليهم (النخبة السياسية) في مصر، متخاذلة أو فكرها سلطوي في الأساس

"

*  كيف تفسرين ارتكاب رموز القوى المدنية أخطاء الإسلاميين نفسها؟

- اتضح لنا بعد 30 يونيو/حزيران 2013، أن هذه حال جميع القوى السياسية، ولا يقتصر الأمر على الإسلاميين وحدهم؛ باستثناء بعض الشخصيات، التي لم تصمت على الانتهاكات التي وقعت. لكن بشكل عام، ما حدث قبل 30 يونيو/حزيران في فترة حكم جماعة "الإخوان المسلمين"، وبعده، كشف عن أن الغالبية العظمى، مما يُطلق عليه "النخبة السياسية" في مصر، متخاذلة أو فكرها سلطوي بالأساس.

* برأيك هل يصبّ هذا في مصلحة الثورة؟

- هذا التخاذل وهذه السلطوية ليسا في مصلحة البشر، الذين لا يجدون قوت يومهم، وتتأجل احتياجاتهم الأساسية يوماً بعد يوم. السؤال هنا هو: هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى ثورة ثانية لا تنتهي بعودة العسكر كما حدث؟ لا أعلم، لكن الواضح أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر طويلاً. وينبغي أن ندرك أن تدهور الأوضاع لا يؤدي دائماً إلى ثورة؛ ففي ظل الأزمات العميقة في المجتمع، لا يمكن أن يتحقق الاستقرار، ويمكن أن تكون تداعيات ذلك استمرار حالة عدم الاستقرار لفترات طويلة، أو اندلاع ثورة ثانية تحرق الأخضر واليابس. ولا يمكن تخيل السيناريو المتوقع حدوثه؛ فتراكم الغضب والتمرد يؤدي إلى هبّات، ولكن ماذا بعد الهَـبّة؟ فالبناء والإصلاح يبدأ بعد الهبـّات فهل نستطيع أن نفعل ذلك؟ أرى أنه كلما تمت إزاحة الأجيال الأكبر، التي لا تستطيع التعايش مع هذا العصر، وكلما تمكن الشباب، الذي يستطيع التعامل بشكل أكثر بفعالية مع أدوات العصر، كان ذلك أفضل.

"
إذا قبل صباحي بأي منصب بالتعيين، سيكون ذلك نهاية مستقبله السياسي

"

* لكن ألم يصل الاستقطاب إلى الشباب أيضاً؟

- الاستقطاب السياسي مشكلة أقل بكثير من مشكلة الجهل بمقتضيات العصر، ويمكن حله، لكن الإصرار الجاهل على الإدارة بما لا يتناسب مع مقتضيات هذا العصر، أكثر خطورة، وينبغي إزاحة مَن يريد أن يفعل ذلك من مواقع صناعة القرار.

أرى أن هذا يحدث مع الوقت وهذا مصدر تفاؤلي، فالفشل المتكرر لذوي الفكر السلطوي القديم، من كل التيارات السياسية، يحرز تقدماً، وأتمنى أن تنتهي هذا العملية بأقل الخسائر.

* لماذا أصر حمدين صباحي على عدم الانسحاب، على الرغم من الانتهاكات الانتخابية التي حصلت؟
-
لا شك في أنه ارتكب خطأ سياسياً وتكتيكياً بالاستمرار، وخصوصاً أن شباب حملته تعرضوا للأذى، إلا أنه في النهاية جزء من تحالف 30 يونيو/حزيران، الذي يتفكك حالياً، ويقبل اللعب من داخل هذه الدائرة، والمعارضة من داخل النظام. ولا يجب أن نتوقع أن يتخذ موقفاً مغايراً، وإن كنت أفضّل أن ينسحب بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات مدّ التصويت ليوم ثالث.

لا شك في أن ما حدث وجّه ضربة قوية لصباحي، ولا يمكن التكهن بأنها ستقضي على مستقبله السياسي، لكن إذا قبل أي منصب بالتعيين، سيكون هذا نهاية مستقبله السياسي.

"
أندهش جداً من تصريحات البعض بعدم وجود أموال، في ظل زيادة مرتبات ضباط الشرطة والجيش بشكل كبير

"

كان هناك أمر آخر، كشفت عنه الانتخابات، وهو ذو طابع إيجابي، وهو أن عبد الفتاح السيسي، ليس بالشعبية الجارفة التي توقعها البعض، بالإضافة إلى أن أنصار المقاطعة كانوا أكثر بكثير من أنصار صباحي، واتضح ذلك بعزوف نصف الناخبين عن التصويت منذ اليوم الأول.

* ما الذي تتوقعين حدوثه بعد فوز السيسي بالرئاسة؟

- وزير الدفاع الأسبق، المشير حسين طنطاوي، كان سلطوياً وعقلانياً في الوقت نفسه، وكان يقدم تنازلات، ويستجيب لبعض المطالب قبل تظاهرات أيام الجمعة، وكان الرئيس مرسي، سلطوياً ضعيفاً؛ أما السيسي فهو سلطوي غير عقلاني، سلوكه يكشف عن ذلك، والأجهزة الأمنية تدعمه وتتبنى سياساته القمعية. وأتوقع عدم الاستقرار، وتصاعد القبضة الأمنية ضد النشطاء من كافة التيارات، وتدهور الاقتصاد، والاستمرار في استجداء الأموال من السعودية ودول الخليج، مما سيزيد الأمر سوءاً، وربما يغري ضغط الأوضاع بعمل مغامرات خارجية تضاعف الأزمة.

"
كان مرسي سلطوياً ضعيفاً، أما السيسي فهو سلطوي غير عقلاني

"

* ما هي فرص المصالحة مع فرقاء الثورة؟

- المشكلة مع "الإخوان المسلمين" والتيارات الإسلامية لا تقتصر عما حدث في الماضي في فترة حكم مرسي فحسب؛ فعدم اعترافهم بارتكاب جرائم، وليست أخطاء فقط كما يسمونها، سيحول دون إنهاء الأزمة؛ فالمستشار طلعت عبد الله، الذي عيـّنه مرسي، هو من سمح للنيابة بالتحقيق في معسكرات الأمن المركزي، وحدثت وقائع تعذيب واغتصاب، كما حدثت حملة اعتقالات واسعة في عهده.

كما تبنى الإسلاميون خطاباً طائفياً ضد الأقباط، منذ أزمة الإعلان الدستوري في عام 2012، واتهموهم بالوقوف وراء التظاهرات المناهضة لهم. في المقابل، يتبنى بعض الشباب المنتمين إلى التيار الليبرالي واليساري خطاباً يناقض حقوق الإنسان. والأصل أن الغالبية تقع عليها المسؤولية الأكبر عن معالجة الاستقطاب الطائفي.

* أثارت تصريحاتك، بشأن ضرورة فض اعتصام النهضة، استياءً واسعاً. كيف تقيـّمين كلامك اليوم؟

- رأيت سلاحاً في حوزة بعض المعتصمين في ميدان النهضة، الذين دخلوا مع بعضهم في مواجهات مسلحة مع الأهالي بعد أن قذفوا المشاركين في إحدى المسيرات بالحجارة؛ لذلك كان فض اعتصام النهضة مطلوباً، ولكن الحقيقة ...كان أسلوب وطريقة الفض جريمة. استُغلَّت تصريحاتي، وقتها، لتبرير القتل الذي حدث، ويختلف الأمر بالنسبة إلى اعتصام ميدان رابعة العدوية، الذي أزعج سكان البنايات المحيطة بالميدان من دون أن يشكل خطراً على حياتهم، لذلك أعتبر أن فضه كان جريمة.

"
أتوقّع تصاعد القبضة الأمنية، وتدهور الاقتصاد، والاستمرار في شحذ الأموال من السعودية ودول الخليج، وربما يغري ضغط الأوضاع بعمل مغامرات خارجية تضاعف الأزمة

"

*  كيف ترين موافقة رئيس الحكومة، إبراهيم محلب، على إلغاء الانتخابات الجامعية؟

- محاولة إلغاء الانتخابات، بتعديل قانون تنظيم الجامعات من دون عرضه على المجتمع الجامعي والحصول على موافقة مجلس الوزراء، أمر فيه اعتداء على استقلال الجامعات، ويسلب حق الأساتذة في انتخاب القيادات الذي يعد مكسباً ثورياً حققته ثورة 25 يناير/كانون الثاني في عام 2011. أرى أن سَنَّ أو تعديل قوانين يجب أن يتم من خلال البرلمان، وليس عبر رئيس الجمهورية، في الوقت الحالي، لأن التشريع من مسؤوليات مجلس النواب، خصوصاً أن تعديل قانون الجامعات أمر مُلِحّ.

* ماذا عن تصريحات ترشيد مجانية التعليم الذي بدأ صوته يعلو في حكومة محلب؟

- هي تصريحات لا تهدف إلى استقرار الأوضاع في الجامعات، ولن نقبل أي مساس بالمجانية، واعتبار المدن الطلابية خدمة غير تعليمية أمر غير مقبول، والبدء برفع أسعار المدن الجامعية سيضع الحكومة في مواجهة الطلاب، ثم مواجهة المجتمع بأكمله، الذي تعاني غالبيته من الفقر. وأندهش جداً من تصريحات البعض، عن عدم وجود أموال، في ظل زيادة مرتبات ضباط الشرطة والجيش بشكل كبير، ونطالب بأن تنظر الدولة بعين الاعتبار لمصالح المواطنين وليس فئات معينة منهم.


* أثّرت الأوضاع المتوترة في البلاد بالسلب على العام الجامعي الحالي، كيف ترين ذلك؟

- بالطبع فقد تم ضغط العام الدراسي لبضع شهور، مما يدل على أن التعليم ما زال في أسفل أولويات الدولة المصرية، وبرضوخ تام من القيادات الجامعية للقرارات، على الرغم من خطورتها، إذ تصرّ تلك القيادات على أن "تسمع الكلام" من دون معارضة أو مراعاة لمصلحة الطلاب.