ليلة المقدسيين الصعبة: غضب وتصميم على المواجهة والصمود

ليلة المقدسيين الصعبة بعد إعلان ترامب: غضب وتصميم على المواجهة والصمود

08 ديسمبر 2017
فلسطيني في القدس المحتلة (أحمد الغرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يتمالك الكاتب المقدسي راسم عبيدات نفسه أثناء متابعته خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارتها في تل أبيب إليها. في تلك اللحظة الموجعة له ولأكثر من 300 ألف مقدسي يقطنون القدس المحتلة، دمعت عيناه، قائلاً: "إن فقدان أحد أبنائي أهون عليّ من تلك اللحظة التي أصبحت فيها القدس بجرّة قلم من ترامب عاصمة لدولة الاحتلال".

حزن تلك اللحظة بالنسبة لعبيدات ترافق مع مشاعر غضب عارمة لديه على الأنظمة العربية التي تواطأت مع أميركا في التفريط بالقدس، على نحو ما فرطت به بفلسطين قبل مائة عام حين أعلن اللورد آرثر بلفور وعده المشؤوم بمنح اليهود حق إقامة وطن لهم في فلسطين. لم يصدّق عبيدات، ما يحصل في القدس التي يتمّ التفريط بها وبيعها، وخذلان شعبها الذي كان سبّاقاً ووثّاباً في انتفاضة هبّة الأقصى الأخيرة في شهر يوليو/ تموز الماضي، ولقّن الاحتلال درساً في "التجربة المقدسية في مواجهة المحتل".
مع ذلك رأى عبيدات أنه "رغم الغضب إلا أن المستقبل للقدس وأهلها، وخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أعقب قرار ترامب، لم يكن بمستوى خطورة التحدي الذي فرضته إدارة هذا الزعيم الموتور على شعب فلسطين". بل توقع "إعلان عباس خطوة جريئة من قبيل جمع الفصائل كلها في قيادة موحدة جديدة لتعيد النظر في كل ما تم على مدى أكثر من عقدين من المفاوضات العبثية، وأن تكون قادرة على مواجهة المستقبل بتحدياته الجمّة".

الاستياء الذي عبر عنه عبيدات ينسحب على جميع المقدسيين الذين نفذوا أمس إضراباً شاملاً في القدس المحتلة، وقرروا تحويل اليوم الجمعة إلى يوم غضب عارم، فيما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي أمس المشاركين في الوقفة الاحتجاجية الغاضبة التي نظمت على مدرجات باب العامود وسط المدينة، واعتدت عليهم بالضرب المبرح، وقامت بملاحقتهم ومطاردتهم في محاولة لإبعادهم عن المكان.

ويقول أحد النشطاء من الحراك الشبابي المقدسي لـ"العربي الجديد": "دعونا الناس (أمس) للتجمع في ساحة باب العامود ليعبر كل مشارك في التجمع عن مشاعره حيال ما جرى. جميعنا نشعر بالغضب أولاً على أميركا وهي لا تزال بالنسبة لنا رأس الأفعى، وعلى الاحتلال الذي احتفى بالقرار، وعلى السلطة التي لم تكن بمستوى ما جرى. نحن حزينون جداً. مارسنا للحظة البكاء من دون إرادتنا. كان شعوراً غامراً بالغضب والأسى لما حدث. مع ذلك قرارنا في القدس الصمود والبقاء، أما ترامب فهو كبلفور تماماً، سنقاوم قراره بطريقتنا ولن نسلم به أبداً".


أما المواطنة نعمت الآغا من بيت حنينا، شمالي القدس، فكشفت أنها "انفجرت بالبكاء قبل خطاب ترامب، حين شرعت بلدية الاحتلال ببث صور للعلمين الأميركي والإسرائيلي على جدار سور القدس من ناحية باب الخليل. كأن قلبي قلع من مكانه". وأضافت أنه "عبثاً حاولت مداراة دموعي وكدت أختنق من الغضب والحنق ولعنت أميركا والأنظمة التي خذلتنا ولولا خيانتها، لما تجرأ ترامب على التصرف بالقدس كأنها بعض عقاراته". أما البلدة القديمة من القدس فسكنتها العتمة والظلام، بعد انقطاع الكهرباء عن قبة مسجد الصخرة المشرفة تزامناً مع خطاب ترامب، بسبب عطل كهربائي في مصابيح الإضاءة.

من جهته، قال والد الشهيد عز الياسيني، من شهداء مجزرة الأقصى الأولى في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1990 "تذكرت ولدي الشهيد و18 شهيداً ارتقوا معه في تلك المجزرة. كأن القدس انتزعت منا وخطفت في ليل حالك". وأضاف أنه "لا حق لهم في القدس، يشهد على ذلك كل حجر فيها، وتشهد على عروبتها دماء أبنائنا والشهداء الذين ارتقوا في الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2005)، وفي هبّات الأقصى المتتالية، من هبة النفق إلى هبّتي القدس في عام 2014 و2017. وليس لنا ونحن نرى كل ذلك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل. واللعنة على كل حاكم تآمر مع إسرائيل والأميركان على القدس".



بدورها، أفادت مديرة جمعية المرأة للتنمية والتمكين، المقدسية إلهام نعمان الجعبة، وهي من سكان بيت حنينا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "أي عبارة، وأي كلام لا يمكن له أن يوصّف غضبنا وألمنا من الذي حدث. حين انتهى ترامب من خطابه لم نتمالك أنفسنا من البكاء".

أما الفتى حسام عبد ربه، من مخيم شعفاط شمال القدس، والذي يدير مع شقيقه البكر مقهى للإنترنت، فكان غضبه أشدّ على خطاب الرئيس محمود عباس، الذي أعقب قرار ترامب. واعتبر أن "على عباس الرحيل، ولا نريد هذه السلطة ودعوا الناس تواجه الاحتلال لحالها".

صدى الغضب المقدسيّ سرعان ما تفجر في حالة من الاستنفار لدى شبان مخيم شعفاط، الذين اندفع العشرات منهم إلى الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيمهم ورشقوه بالحجارة، في حين رد الجنود بقنابل الغاز والصوت، قبل أن يعود الشبان أدراجهم ويطلقوا مفرقعات نارية باتجاه منازل مستوطنة "بسغات زئيف" المتاخمة للمخيم.