ليفربول وتكتيك ما بعد سواريز

09 اغسطس 2014
ليفربول يبحث عن المهاجم الكامل بعد سواريز (Getty)
+ الخط -

تعتبر كرة القدم فلسفة مكتملة الأركان، البعض ينظر إليها كفنّ رفيع المقام، يحلم بها ويعيشها بخيال كبير، والبعض الآخر ينظر إليها كفوز فقط، ويحاول الوصول إلى المكسب بأي طريقة ممكنة. هي لعبة الحالمين والبراجماتيين. وبراندن رودجرز، المدير الفني لفريق ليفربول، يقع في مسافة متوسطة بين هاتين المدرستين، إنه يؤمن برومانسية المستديرة لكنه يسير في النهاية وفق أدواته التي يمتلكها ويأخذ فريقه خطوة خطوة للأمام، دون تسرع أو اندفاع.

كرة القدم تشبه لعبة السلة، يجب أن تضغط وتخنق الخصم في مساحة ضيقة للغاية، وإذا لم تقدر على ذلك، عد إلى منطقتك والعب دفاع منطقة. حينما تريد أن تلعب بدفاع متقدم يجب أن تضغط بشكل كبير، لأنك ستترك مساحات كبيرة خلفك. لا تفرح كثيراً بالزيادة العددية في الأمام لأنك تضغط بشكل عشوائي ولا تدافع بشكل جيد.

ويكون التمرير مهما وجوهريا في اللعبة، الفرق العظيمة لا تجري أكثر من الآخرين لكنها تجري بانتظام وبذكاء. وهو ما يوافق قول أريجو ساكي، "نحن لا نجري أكثر من غيرنا بل نجري بدهاء أكثر بعض الشيء منهم. كلما مررت بشكل سليم وتحركت وفق مفهوم منتظم، كلما أجبرت المنافس على بذل مزيد من الجهد. وفي المقابل، كل كرة تفقدها، كل متر تجريه أكثر. كلمات ونصائح بسيطة تلخص باختصار المبادئ التي يسير على خطاها، براندن رودرجز".

يقول مجدد انتصارات "الريدز" في تعريفه للكرة المثالية، أن تستحوذ على الكرة، تهاجم بأكبر قدر ممكن من اللاعبين، تدافع وأنت تحرم الخصم منها، أن تلعب وتستمتع وتجعل المستطيل الأخضر ملكاً لك وحدك، هكذا هي الكرة المثالية من وجهة نظر براندن، لذلك يعتبر المدير الفني من أشد المعجبين بتجربة الإسباني بيب جوارديولا مع برشلونة، وتاريخ الهولندي لويس فان جال مع أياكس وأكثر من فريق.

متعة الموسم الماضي
قدم ليفربول، تحت قيادة براندن رودجرز، مستوى رائعاً خلال الموسم الأخير، ولولا بعض الأخطاء والهفوات بمباريات الحسم الأخيرة، لفاز فريق الأنفيلد بالدوري الإنجليزي، لكن العبرة دائماً بالنهايات التي وضعت مانشستر سيتي على رأس البريميرليج. لعب الفريق الأحمر بطريقة لعب تعتبر مزيجاً بين 4-2-3-1 / 4-4-2 / 4-3-3 خلال الموسم. ويمتاز رودجرز بفلسفة واحدة، اللعب إلى الأمام وتسجيل أكبر قدر ممكن من الأهداف، بينما استراتيجيته تنوّعت بين الاستحواذ والسيطرة في بعض المباريات، والمرتدات من منتصف الملعب في مباريات أخرى، مع خاصية الضغط وتسجيل أكبر قدر ممكن من الأهداف.

ويتغير التكتيك وفق ظروف كل لقاء وإمكانيات الخصم وقدرات فريقه. يؤكد براندن أنه يريد أن يلعب مثل برشلونة بيب لكن لا يمتلك الجودة الكافية بالمنتصف، لذلك اعتمد على أسلوب يجمع بين السيطرة على مجريات اللعب مع الضغط العالي الذي يكفل له مرتدة قاتلة، وفي النهاية الرغبة واحدة، الفوز بشكل بديع وتنفيذ قاتل للمنافسين.

امتاز الفريق التابع لمقاطعة الميرسيسايد بتنوع تكتيكي فعّال، والاستفادة القصوى من كل لاعبي القائمة المتاحة. نجح المدرب في إخراج أفضل ما لدى لاعبيه. أسماء مثل هيندرسون، كوتينهو، ستيرلينج، ستوريدج لعبوا دورا كبيرا في صحوة الحمر. لذلك شاهد المتابعون هيندرسون يصعد للأمام بجوار كوتينيو وخلفهم جيرارد لتصبح الطريقة 4-3-3، مع تحول ستيرلينج من الجناح إلى عمق الهجوم كصانع لعب، لتتحول الخطة إلى 4-4-2 صريحة.

ومع وجود ثنائي هجومي بقيمة سواريز وستوريدج، يلعبان في العمق وعلى الأطراف، يجيدان وبشدة صناعة الأهداف وتسجيلها، وصل ليفربول إلى أرقام مخيفة في الشق الأمامي، لكن عيوب الدفاع ظلت حاضرة حتى النهاية، ليخسر الفريق نقاطاً سهلة في المراحل النهائية، ويفقد اللقب بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى منه.

ما بعد سواريز
مع مشاكل الدفاع الكبيرة، تعاقد الفريق مع لوفرين قادماً من ساوثامبتون بالإضافة إلى خافيير مانكييو، صفقات ستصنع فارقاً في الخط الخلفي، مع انتداب إيمري جان من ليفركوزن، اللاعب الذي يجيد اللعب في عدة مراكز على يسار الملعب سواء وسط الملعب الهجومي أو الدفاعي، وبالتالي، يستطيع الوافد الشاب أن يُشّكل دعماً غير محدود للجبهة اليسرى الدفاعية للريدز خلال المباريات المصيرية بالموسم الجديد. وبالتالي حاول رودجرز، أولاً، أن يحل مشاكله الواضحة التي أرهقته كثيراً بالماضي، لذلك سيكون خط دفاع الليفر أفضل من الفترات الأخيرة في كل الأحوال.

وشكّل رحيل سواريز الحدث الأهم في السوق الأوروبي هذا الصيف، فانتقاله إلى برشلونة أعطى قوة كبيرة للهجوم الكاتالوني، ووضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية تعويضه داخل قلعة الأنفيلد رود. أبرم النادي الإنجليزي صفقات رائعة في خط الوسط والهجوم، نجوم بقيمة آدم لالانا ولازار ماركوفيتش وريكي لامبرت ستساعد رودجرز في الحفاظ على مرونته التكتيكية وتفوقه الفني خلال بطولة الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا.

من الممكن أن يلعب ليفربول هجومياً بأكثر من طريقة لعب، الأساس سيكون مهاجم واحد في الأمام وخلفه ترسانة من لاعبي الوسط القادرين على الإضافة الهجومية، ستوريدج في المقدمة، مع إجادة اللعب بأكثر من توليفة لخط المنتصف، إما بوجود جيرارد كمحور متأخر وأمامه ثنائي مائل إلى الأطراف كهيندرسون و كوتينهيو أو بجانب جان مع وجود الثنائي لالانا وستيرلينج على الأطراف في طريقة اللعب 4-3-3.

أو العودة إلى 4-4-2 دياموند بتواجد رحيم ستيرلينج في المركز 10 بالملعب أمام ثلاثة لاعبين، جيرارد وهيندرسون وكوتينهو، مع اللعب بماركوفيتش أو لالانا كلاعب حر متحرك في الثلث الأخير خلف المهاجم المتمركز داخل الصندوق وخارجه، وبالتالي سيكون النسق أقرب إلى 4-4-1-1 على طريقة أكثر من فريق بالعام الماضي.

وسيكون من المهم التركيز على فكرة العودة مرة أخرى إلى 4-2-3-1 بتواجد هيندرسون وجيرارد خلف الثلاثي لالانا وستيرلينج وواحد من الثنائي كوتينهو كصانع لعب يدعّم المهاجم الهدّاف، هي طريقة من الوارد أن تتحول إلى 4-1-4-1 صريحة، بعودة جيرارد إلى الخلف لبناء الهجمة ووجود خط وسط حديدي، أربع أسماء من هؤلاء النجوم، هيندرسون، كوتينهو، لالانا، ستيرلينج، ماركوفيتش، وفي الهجوم لاعب واحد متقدم.

ويملك مدرب ليفربول خطة بديلة، بإشراك المهاجم الخبير ريكي لامبرت بجوار ستوريدج في الأمام، كعودة أصيلة إلى التكتيك الإنجليزي القديم باللعب برأسي حربة، لكن مع نجاعة أكبر، خاصة وأن لامبرت يمتاز بتحركاته الذكية وقدرته على صنع الأهداف لزملائه بالإضافة إلى التسجيل. فيتفوق لامبرت في الكرات الهوائية لذلك سيستفيد ستوريدج كثيراً من رأسيات زميله في الثلث الهجومي الأخير عن طريق كرة طولية من الخلف، يرتقي لامبرت ويمررها برأسه إلى المهاجم المتقدم داخل صندوق العمليات الأخير.

وعلى طريقة لعب ساوثامبتون، فإن شراكة لامبرت - لالانا قابلة للاستمرار في ليفربول، المهاجم العملاق يفتح الطريق لزملائه القادمين من الخلف، يعود ريكي للوسط ساحباً معه مدافعاً أو اثنين، هنا ينطلق لالانا وستيرلينج أو ماركوفيتش من الأجنحة إلى عمق الهجوم في محاولة لصنع خطورة مختلفة على مرمى المنافس. لذلك فإن غياب سواريز أمر ليس بالسهل، لكن ليفربول يمتاز بمجموعة تجيد لعب دور البطل خلال الفترة المقبلة.

المساهمون