ليس بالإرهاب تُجذب الاستثمارات

ليس بالإرهاب تُجذب الاستثمارات

24 نوفمبر 2019
+ الخط -


خلال فعاليات مؤتمر أفريقيا 2019، الذي استضافته القاهرة بداية الأسبوع الجاري، وجّه السيسي حديثه إلى المستثمرين الأجانب، محذراً من خطورة امتداد الإرهاب إلى بلادهم إذا لم يسارعوا ويضخوا استثمارات في مصر، قائلاً لهم: "لو لم يتم الاستثمار في بلاد مثل مصر.. الإرهاب اللي فيها هيطلع عليكوا في شكل هجرة غير شرعية وغيرها من الطرق".

وخلال اللقاء اعترف السيسي بأن الحكومة لم تنجح في إقناع الشركات العالمية بالاستثمار في صناعة السيارات بمصر، إذ قال إن محاولاته والحكومة إقناع الشركات العالمية للاستثمار في قطاع صناعة السيارات باءت بالفشل، مشيراً إلى أن مصر تعرضت "لإرهاب شديد" منذ عام 2011.

كلام السيسي هنا، ورغم التحذير الواضح للمستثمرين الأجانب، يتفق مع ما ذهبت إليه الأرقام الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي المصري والتي أكدت حدوث تراجع في قيمة الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على مصر خلال السنوات الأخيرة رغم قرار تعويم الجنيه المصري، والحصول على شهادات ثقة من المؤسسات المالية العالمية ومنها صندوق النقد الدولي، وإنفاق الدولة 4 تريليونات جنيه (ما يعادل 250 مليار دولار) على البنية الأساسية خلال السنوات الخمس الماضية.

وحسب الأرقام الرسمية فقد انخفضت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 23% في العام المالي الأخير 2018-2019 على الرغم كذلك من استقرار سوق الصرف الأجنبي وتحسن قيمة الجنيه مقابل الدولار، وإقرار تعديلات مهمة على قانون الاستثمار، ومنح حوافز كبيرة للمستثمرين، إضافة إلى توافر الطاقة من كهرباء وغاز وسولار وبنزين ومازوت وغيرهما، وهي المعضلة التي واجهت المستثمرين خلال سنوات مضت، خاصة العاملين في قطاع الصناعة، وتوافر الأيدي العاملة الرخيصة والمواد الخام والطرق السريعة، وسوق ضخم يضم 100 مليون مستهلك.

لكن لماذا يتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر على الرغم من كل هذه المزايا الضخمة التي تتمتع بها؟

الأسباب هنا كثيرة وأبرزها عدم توافر المناخ المناسب للمستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء، فهناك مبالغة مستمرة في قضية الإرهاب، بل والمتاجرة بها عبر إرسال رسائل سلبية ومستمرة للمستثمرين الأجانب مفادها أن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن كل دول العالم، وأن الإرهاب ليس محصوراً في جزء صغير من سيناء، بل يقبع في كل بقعة من أرض الوطن، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وأنه ما لم تضخ الشركات العالمية أموالاً واستثمارات في مصر فإن الإرهاب سيزحف نحو القارة الأوروبية.

المستثمر ليس في حاجة إلى مثل هذه التحذيرات، بل يحتاج إلى مناخ مناسب قبل كل شيء، فهو يذهب إلى بلد لديه استقرار أمني وسياسي حقيقي وليس مفتعلاً أو مفروضاً بفعل القبضة الحديدية، يحتاج إلى بلد ليست فيه حالة ضبابية سياسية وعدم يقين، بل تكون فيه المخاطر الجيوسياسية ضعيفة والتوقعات السياسية المستقبلية إيجابية ومحسوبة.

المستثمر يذهب إلى بلد لا يرفع أسعار السلع والخدمات بمعدلات قياسية وخلال فترات قصيرة، وهو ما يسبب زيادة في كلفة الإنتاج ويحد من القدرة الشرائية للمواطن، ويترتب على هذه الزيادات اغلاق مئات المصانع وتشريد آلاف العمال وحدوث كساد في الأسواق.

المستثمر يذهب إلى بلد ينخفض فيه منسوب الفساد والاحتكار والبيروقراطية وفيه أنظمة حوكمة سليمة، وفيه استقرار في التشريعات والقوانين، يذهب إلى بلد يشجع القطاع الخاص ويمنحه الحوافز والضمانات، لا أن تدخل الحكومة ومؤسسات الدولة في منافسة معه.

المستثمر يذهب إلى بلد لدى حكومته خطة واسعة لتقليص الدين العام، وخفض عجز الموازنة، وسداد الدين الخارجي، وفرملة الاقتراض، والاهتمام بالقطاعات الخدمية مثل الصحة والتعليم.

والأهم أن المستثمر لا يذهب إلى بلد به انقسام مجتمعي حاد، وتجاهل لقدرات الشباب، ومصادرة للحريات العامة ومنها حرية الرأي والتعبير، فهو يبحث عن الأمان والضمان والعائد المناسب، وبالتالي يهمه استقرار المجتمع والاقتصاد الذي يعمل فيه وكذا الأسواق.

مصر سوق كبير وواعد، وإذا ما توفر لها استقرار حقيقي، فستتحول إلى واحدة من أبرز الأسواق العالمية جذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

المساهمون