ليس باسم فلسطين

ليس باسم فلسطين

16 اغسطس 2020
+ الخط -

"من فضلكم لا تفعلوا لنا معروفاً.. نحن لسنا ورقة تين (اقرأ ورقة توت) لأحد"، هذا كان تعليق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، على التحالف الإماراتي الإسرائيلي الذي وضعه الإماراتيون في خانة الدفاع عن السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنع الاحتلال من ضم أجزاء من الضفة الغربية، وهو ما سعوا إلى ترويجه في إعلامهم، على الرغم من سقوط هذه الذريعة منذ اللحظة الأولى، بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن ضم أجزاء من الضفة لا يزال على رأس أولويات حكومته، وهو الأمر الذي جاراه فيه مسؤولون إسرائيليون آخرون، غير أن هذه التصريحات لم تصل إلى مسامع المسؤولين الإماراتيين، والذين لم يمنحهم حلفاؤهم (القدماء الجدد) ورقة التوت، ليغطّوا بها على خطوة التطبيع المجاني. 

ليس التلطي خلف فلسطين جديداً على أنظمة عربية كثيرة، وبعض الإقليمية، لتبرير إجراءات وقراراتٍ عديدة تتخذها. سارت الإمارات على هذا النهج، عبر زجّ فلسطين لتبرير "الاتفاق" مع إسرائيل، على الرغم من أن العالم أجمع يدرك أن لا علاقة لفلسطين، من قريب أو بعيد، بهذا الاتفاق، بل على العكس تماماً، ستأتي مفاعيله معادية للشعب للفلسطيني وقضيته، وهو ما فهمه الفلسطينيون وجسّدوه في تظاهرات بالضفة الغربية والقدس المحتلة، أحرقوا خلالها مجسماً لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.

للإماراتيين أهداف وحسابات أخرى في إشهار التحالف مع الاحتلال. أهداف غير مرتبطة مباشرة بأهداف الدولة الخليجية، بقدر ما هي إعطاء هدايا مجانية لرئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فخلال السنوات القليلة الماضية، كانت العلاقات الإماراتية الإسرائيلية ترقى إلى مستوى التحالف، سواء في التنسيق والزيارات المتبادلة، أو حتى فتح قنوات تطبيعية من أطراف محسوبةٍ على الإمارات، على غرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا أو جماعة المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، غير أن هذا الطابع السري للتحالف لا يمكن صرفه بالسياسة بالنسبة إلى نتنياهو وترامب، فالأول يعيش أزمة حكومية مستعصية قد تقوده إلى انتخابات نيابية جديدة، من غير المضمون حصوله على الغالبية فيها، خصوصاً في ظلّ ملفات الفساد التي تلاحقه، والتي وصلت إلى المحاكم. كان نتنياهو بحاجة إلى إنجاز ما، ولا سيما أن تعهّده بضم أجزاء من الضفة الغربية لإرضاء اليمين المتطرّف اصطدم برفض أميركي، فما كان من الإمارات إلا أن قدّمت له هذا الإنجاز على طبقٍ من فضة، ومن دون أي مقابل.

أما ترامب، والذي يعاني، في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فهو الآخر كان خلال الأشهر الماضية يبحث عن إنجاز يسجّل له في السياسة الخارجية، خصوصاً بعدما تعقّد تطبيق ما سميت "صفقة القرن". حاول بدايةً تحقيق هذا الإنجاز عبر الضغط لإتمام المصالحة الخليجية، وكاد ينجح لولا إفشال الإمارات مسعاه، لتقدّم له في المقابل "إنجازاً" آخر، قد يخدمه أكثر في الداخل الأميركي، وخصوصاً بين اللوبيات اليهودية. وأيضاً هذه المرة من دون أي ثمنٍ يذكر للإمارات، باستثناء ما قد تؤدي إليه هذه الخطوة لجهة المساهمة في إعادة انتخاب ترامب، وهو الأمر الذي يأتي من ضمن الأولويات الإماراتية والسعودية والمصرية.

ليست الخطوة الإماراتية إلا قصّ شريط لخطوات مماثلة من دول أخرى، وتخدم الأغراض نفسها، والتي كما هو واضح ليس لفلسطين علاقة بها، إلا لجهة أنها هدف للتصفية مثل باقي الأهداف التي يسعى إليها المحور السعودي الإماراتي، وفي مقدمتها القضاء على أي أثر للربيع العربي وما أنتجه، بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".