ليس إحياء للذكرى

ليس إحياء للذكرى

13 اغسطس 2015

محمود درويش.. الحقائق عنه اختلطت بالشائعات

+ الخط -
سبع سنوات مرت على رحيل محمود درويش، سبع سنوات ولم تتوقف لحظة الجدالات والنقاشات والمعارك عن شعره وشخصيته وعلاقاته ومواقفه وصداقاته وحياته. كل شيء قيل عن الرجل، الحقائق اختلطت بالشائعات، والوقائع بالاحتمالات والتمنيات، ذلك كله ومحمود درويش ساكت بلا حراك، لا ينفي حكاية ولا يؤكد أخرى. سبع سنوات والشبكة العنكبوتية تضج بحب محمود، والهيام بشعريته واقتباس جماله واستعارة فضائه اللغوي، وسرقة مفرداته، ونهب صوره، وبالتشكيك في مواقفه السياسية، والتذمر من حجبه عشرات التجارب الشعرية، والتهجم على علاقته بياسر عرفات وقربه من السلطة، واختراع الحكايات عن علاقاته الغرامية والتطبيعية. سبع سنوات والكلام لا يستريح عن محمود درويش، ويبدو أن شاغل الناس في كل مكان قرر أن لا يرد على التهم الجاهزة التي طالما سمعها في حياته، وقرر بذكائه وعناده المستمريْن أن لا ينهي ملف وجوده الشعري والشخصي على الأرض، حتى يبقى الشخصية الوحيدة، بعد المتنبي الذي يختلف حوله، وعليه، الناس في كل مكان. 
(حجبت تجربة محمود درويش (المحتفى بها) شعريتنا، وأقامت سداً بينها وبين الناس، وكان للإعلام الفلسطيني الفصائلي دور قوي في رفع قيمة محمود درويش الشعرية، وفي إهمال تجارب الشعراء الآخرين الذين كان يمكن أن يبرزوا مثل محمود، لولا تدخلات الإعلام الفلسطيني وتحيزاته، وسطوة العلاقات الشخصية). هكذا يقول كارهو محمود.
محمود درويش عبقرية شعرية غير عادية، وهو غير مسؤول عن ضعف التجارب الشعرية العربية، وعجزها عن الصعود إلى مرتبته. والعبرة، في النهاية، للنص، لا للشاعر وجهوده وعلاقاته، النص هو الذي يصعد بصاحبه إلى القمة، وليس العكس. هكذا يرد محبو محمود.
محمود درويش باع نفسه للسلطة، وكان صديقا لياسر عرفات، ولم يكن أبداً في مستوى شعريته الكبيرة، وكان هناك انفصام دائم بين شعريته الوطنية ومواقفه، فلم ينتقد السلطة لفسادها، ولم يتخذ مواقف مشرفة أمام ملف حقوق الإنسان في مناطق السلطة. هكذا يقول كارهو محمود.
محمود درويش عارض اتفاقية أوسلو، ويكفيه فخراً وشرفا قصائده في مقاومة الفكرة الصهيونية، على مدار عقود من الإبداع، ويكفيه أن شعره ما زال محط استشهاد وملاذ الشهداء والمعتقلين والجرحى، في فلسطين. هكذا يقول محبو محمود.
محمود درويش تخلى عن قصائد المقاومة، وذهب إلى نصوص الحب، ولم يعد شاعراً ملتزما بالقضايا الوطنية، هكذا يقول كارهو محمود.
محمود درويش لم يتخل عن أدب المقاومة، كل ما في الأمر أنه اخترع مفهوما خاصا لأدب المقاومة. من قال إن الفرح والحب والرقص والغناء يتعارض مع المقاومة. لدى محمود قدرة عظيمة على جس نبض الذائقة الشعرية العربية، وعرف بذكائه المعروف أن الناس لم تعد تستجيب للمفهوم القديم للمقاومة. هكذا يقول محبو محمود.
محمود عشق بنتا يهودية، وكتب فيها شعرا، ومن يعشق اليهود مثلهم، هكذا يقول كارهو محمود.
الحب لا يعرف الأعراق والأجناس، الحب فكرة كونية، تسمو على كل الحدود والفواصل والجغرافيا. كان محمود شاعرا كونيا في حبه وشعره، هكذا يقول محبو محمود.
وما زال الجدال مستمراً وحامياً عن هذا الرجل في الصحف الورقية والإلكترونية والمواقع وحسابات "فيسبوك" و"تويتر"، وفي المقاهي والجلسات البيتية وفي الأمسيات والمؤتمرات الشعرية. ليس هدف هذا النص إحياء ذكرى رحيل محمود السابعة، لسبب واحد هو أنني لا أستطيع أن أصدق أن شخصاً ما زال الناس يتجادلون بشأنه بكل هذه الحيوية والاهتمام والتشنج والقوة والخصوبة يمكن أن يكون ميتاً.
4855FC54-64E3-49EB-8077-3C1D01132804
زياد خداش

كاتب قصة فلسطيني، مواليد القدس 1964، يقيم في رام الله، يعمل معلما للكتابة الإبداعية، له عدد من المجموعات القصصية.