Skip to main content
ليست القصيدة عن العراق
جيمس بيرن

استشفاء


خلّني أتصوركَ عائداً للبيتِ
من الظلامِ، بين الجسمِ والذّكرى،

تشهدُ نفسكَ
كما تلوّحُ شجرةٌ من ظلّها.

هناكَ قاعاتُ عشاءٍ أَسْكَتّها
بشرارةٍ من الفِطنةِ،

هناكَ أناسٌ حكمتَهم
بأريجٍ نقيّ، ووَضعٍ نقيّ.

ولأجلِ حيلتكَ العصيّةِ الآنَ:
تستعيدُ حياةً تستحيلُ إلى ذهبٍ.

في سبتمبرَ (الشهرِ الذي ينزَع لغيرهِ)
خلّني أناشدُ طرفكَ الأفضلَ،

لنجد مِسكةً من براءةِ
العيشِ، كما تفعلُ المرايا.



امرؤ/ آخر


يئنّ امرؤٌ متثاقلاً في الهاتفِ
يصبّ الآخر كثيبَ القاتلِ النقّالَ

يهجرُ امرؤٌ الحاميةَ وحيداً كالرصاصةِ
يملأُ الآخر أنابيبَ بيضاءَ بالنفطِ

يتفقّدون امرأً من منظارِ الحدودِ
يحذرُ الآخر من ظلمةِ الشجرِ

يصلصلُ امرؤٌ حلقةَ بابِ العدوّ
يتخيّلُ الآخر الموتَ بدربِ هجرةِ الطيورِ

يلكمُ امرؤٌ الحاضنةَ قُربَ آلتهِ البيانو
يتّخذُ الآخر ظلاًّ تحتَ شجرةِ تينٍ

يميّز امرؤٌ النزيفَ من صافرةِ إنذارٍ
يلوّحُ الآخر مهدّداً بالأصفادِ

يتلاعبُ امرؤٌ بغبارٍ بينَ يديهِ
يحرقُ الآخر مخيّمَ الإعدادِ



بطاقات بريد


الآمرُ طيلةَ الليلِ،
بضحكةٍ ثملةٍ، تليقُ ببارونَ،
يقشّرُ شذَى حبّةِ يوسفي حلوةٍ
من حقوِ نادلةٍ.

*

يراكمونَ على عينَيها الطينَ.

*

يقتحمُ الجنودُ الصغارُ البيتَ
مُلتَمّين على بستانيّ السوقِ،
ابنَيه، جدّهِ العجوزِ المهتاجِ،
فأردَوهم حيثُ يربضونَ
في ظلالِهم.

*

تحسِبُ أمٌّ الندمَ على مِسبَحتِها.
ينمّي الوليدُ في بطنِها عينَيه.

*

في المحكمةِ، تلومُ سكرتيرةُ
الجيشِ الطبيعةَ الأمّ نفسَها ـ
سبّبَت ريحٌ صَرصَرٌ مفاجئةٌ
نيراناً أسيفةً. ولم يُدِن أحدٌ
تاريخَ الريحِ المنسيّ،
ولا تاريخَ النارِ المنسيّ.
لم يذكُر أحدٌ الأبوابَ المسدودةَ،
ولا خزّاناتِ الوقودِ المنثورةَ كأسنانٍ مجدوعةٍ.
وجهُ قاضي الحكومةِ المدوّرُ الثلجيّ
يعتبرُ الشهودَ المترمّلين حديثاً
مؤثّرين للغايةِ. غيرَ جديرِين بالثقةِ.

*

تعرّت القريةُ من جرحٍ.
عقربان يشتجران في بوتقةٍ من الرملِ ـ
تسفعُ علامةُ استفهامِ ذيلَيهما الهواءَ.

*

ركّبَ الأولادُ مَسرحاً عملاقاً لِلّعبِ
بركائزِ حجارةٍ من مبنىً تقوّضَ.
صَفّ ولدان جنرالانِ فِرقاً
للُعبةِ بنادقَ مقابلَ سيوفٍ.
مِن ثَمّ قرصنةٌ
مِن ثَمّ رات ـ تات ـ تات بأفواههم
لتبدو البنادقُ حقيقيةً
مما كانَ يملكهُ الأبُ الطموحُ للثورةِ
مَن يتخيّرُ الجانبَين، يصرخُ ويهلّل.

*

في الجدارِ البعيدِ للمسجدِ المقصوفِ،
يذيعُ مُصلٍّ اعترافَ النبيّ
عن السلوانِ في أوقاتِ الغيظِ.
لكن المؤذّنَ يُسحَبُ في الترابِ من ياقتهِ
فيُسحَق مرّتَين
نقيضَ التدبّرِ في صوتهِ.

*

هاتان بطاقتان لن يوفدهما أحدٌ.
عيونُ سيارة صرصور"بيتل نب" تحتَ شراعٍ فضيٍّ من قمرٍ
وهي تهتزّ على وجههِ البحريّ المغضّن.
لمحةٌ لهيكلٍ عظميٍّ
يزورُها ليلاً،
ذراعاهُ الآليتان
مرفوعتان، ساكنتان
وهو يتضرّعُ
مَرِحاً.

*
في القاعدةِ العسكريةِ الجبلية،
اقتيدَ خمسةُ رجالٍ على جانبهِ الوعرِ
ثم عميقاً في ظلالِ أَيكةٍ.
لا أحدَ هنا يروي الحكايةَ.
فالجبلُ ساكنٌ ولا نهائيٌّ.
الصقورُ هامدةٌ في غرائزِها،
لكن أوراقَ الزيتونِ تهسهسُ عائدةً للفضاء.



تنويعات على العتمة


"كم تهمي العتمةُ في بطءٍ على ما نفعله"
تيودور روتكه ("في جوّ المساء")

1

إن شربتَ من قشورِ الزوبعةِ
ستلطّخكَ دائماً عتمتُها.


2

سطحُ القناةِ الصقيلُ ليلاً
أشدّ عتمةً من أَعتَمِ كَفَنٍ لـ يسوعَ.


3

شيءٌ أَعتَمُ من ظلّ الوردِ
ـ نارُ الوردِ الخابيةُ بعدَ الرعدِ.


4

أكثرُ عتمةً من ضبطِ النفسِ ـ حسابٌ معلَّق
مقيّدٌ بأكثرَ من جحيمٍ من عتمةِ الإنسانِ.


5

يخشى المنغوليّ العتمةَ
فيطلبُ أن يُدفنَ بنعشٍ على ضوءِ الشموعِ.


6

النظرةُ التي حدجَ بها أثناءَ العشاءِ زوجتَه
رصاصةٌ أُطلقَت في العتمةِ.


7

عندما شقّت المديةُ الصّدئةُ القصبةَ
شحذَتها بحزنٍ والإمبراطورُ في صمتٍ.


8

في عتمةِ السينما ينتظرُ بفقدانِ ذاكرةٍ
ـ ليسَ لها أن تنفصلَ عن الوحدةِ.


9

صرخةٌ ينخرُها الموتُ تُعتمُ المدينةَ أجمعَها
فتُقلِعُ عبرَ العالمِ الزاعقِ.



"شاكتي"


يفتح شاكتي علبةَ فمهِ الحصّالةَ الذهبيةَ ليسحنَ القهوةَ.
قائلاً "أسناني تستأهلُ غرفةَ محظيةٍ".
تضحكُ عيناهُ الزرقاوان الرماديتان المجوّفتان من راي بانز. لندن 77، زيورخ 79.
مقهى "تريبوليتانيان" في تلال بوهيميا، 88 ـ 90.
شاكتي الطائرُ الطليق، مرشدُ الرحلةِ الذي يخفقُ في استعادةِ دربهِ.
الذي، من دون ماءٍ، لا يشربُ من البحرِ.
ومن دونِ طعامٍ، لا يصيدُ سمكةً.
شاكتي الذي بلعَ ملءَ فمهِ دماً عندَ موتِ الملكِ إدريسَ.
الذي يندبُ من أن كلّ بلدٍ لا يتحرّكُ كروحٍ واحدةٍ:
"إني وحيدٌ وبلدي وحيدٌ ضمنَ قبائلِ بلادي".
لا يزالُ شاكتي يشربُ القهوةَ كأنها إبريقٌ من نبيذٍ ميتافيزيقيّ،
لا يزالُ يلوّحُ برايةٍ مُدمّاةٍ من منصّةِ تكريرٍ وهّاجةٍ.
الذي يُقرِّعُ السودانيين كأَذِلاّءٍ مجنّدين.
"نابشو فضلاتٍ أفلا يرجعون"، يقولُ.
يقطعُ دربَ الرحلةِ في المدينة القديمةِ،
"لا يريدُهم السودانُ الآنَ ولا إفريقية".
يثبّتُ تلميذان ولداً سودانياً يتلوّى منهم إلى الحائطِ
ويمسكونهُ فيبصقونَ عليهِ مطلوبَهم.
شاكتي عند "ياقوتةِ الماء" بأدمُعِ أبوللو.
شاكتي المهندسُ غيرُ المأجورِ الذي يُبدي الوداعةَ والودّ
لكن يساومُ كثيراً ويخسرُ كثيراً.
الذي يضربُ وجهَ ملصَقِ "مفقود" في "حمّام كبير" ويقولُ:
"أمعنوا النظرَ في هذا الولدِ. فهو ابني".



"المَلاّجة"


صمتٌ لدقيقتَين ـ "كيفكَ" ـ "أنا بخير" ـ تحيةٌ حَلَقيّةٌ مميزة ـ نُثاراتٌ من "حكمت" ـ نابغةٌ أو شخصيّة ـ إشاراتُ "درويش" للفراشةِ ـ ليست رتيبةً ـ ولا شفاهيةً ـ عربيةٌ لا قيمةَ لها ـ قد تكونُ نعمةً ـ أحياناً ـ تفحصُ المائدةَ لأجلِ مترجمين غيرِ مأجورين ـ "شكراً حبيبي" ـ لن يتعلّم لغةً بمجردِ سماعِها ـ الإسبانيةَ ربما ـ "شكراً" ـ ابتسامةٌ برّاقةٌ واسعة ـ كلّ ما أقولهُ ـ "شكراً حبيبي" ـ زميلٌ يشربُ من قشّةٍ ماصّة ـ يتخلّصُ من "العَرَق" ـ يجزّ بأسنانهِ ـ "تمام" ـ دواءٌ وإفطار ـ يحتاجُ ماءً ـ حرّكهُ هكذا ـ تجاهَ عقربِ الساعةِ هو نقيضُ عقربِ الساعةِ ـ كالألفباءِ ـ انظرْ ـ "شكراً" ـ أيّ حياةٍ أفضل من الحياةِ في "هذا" الوادي ـ نفحةٌ من البحرِ المتوسّطِ عبرَ بستانِ الزيتونِ ـ من أيّ بلدٍ أنتَ يا "حَمَد" ـ تنويمٌ مغناطيسيٌّ في عينَين ناريتَين ـ ما قالهُ يهِبُ شعوراً كاملاً ولا يُترجَم للإنجليزيةِ ـ الوقتُ معلّقٌ بحِيلةِ مشَعوذٍ ـ حرفياً إذن ـ أطفالُ لوحتي الأولى لا يغفُلون عن الابتسامِ ـ أسناني أنظفُ هنا ـ أسناني تنخرُ كلّ يومٍ في لبنانَ ـ جِلدٌ كوجهِ صخرةِ الوادي ـ تذكّرْ أينَ تقف ـ هيّأ هذا المهرجانَ أهالي ثلاثِ قُرىً ـ حجراً بحجر ـ بعضهم ماتَ حاملاً الصخورَ ـ قد يكونُ بالقرنِ السابعِ ـ أكثرُ من ألفٍ سيملأ هذا الوادي ليلةَ غدٍ ـ نصفهُ أو أكثرُ من ثلاثِ قُرىً ـ هناك ـ هناك ـ هناك ـ قد تحرّكنا ولا يزالُ الهدفُ غيرَ محدّدٍ ـ لا يتخمّرُ شيءٌ من تلقاءِ نفسهِ، يقولُ "حمَد" ـ ترجمةٌ بائسة ـ هل تحبّ "طرطوسَ" ـ قد تجذبُ النُدلَ ولم يَحِن ميعادُ الطعامِ ـ ماذا عن دمشقَ ـ صعدتَ "قاسيون" في حرارةِ حرقِ القشّ ـ ألم يذبح قابيلُ هناكَ هابيلَ ـ شرفةٌ قدسيةٌ لم أقِف بمثلها قطّ ـ "تلّ منين" على جانبٍ ـ المدينةُ القديمةُ تقبعُ على مبعدةٍ ـ نورٌ أبيض وذهبيٌّ ـ ذهبيٌّ متكسّر ـ ليس لي أن أخبركَ عما أفعلُ الآن ـ ماذا عن طريقِ الأسلاكِ الشائكةِ بالبرجِ الأخضرِ الذي تسدّه الجنودُ ـ خارجَ الخارطةِ ـ ألا تنتظرُ حتى تأكلَ ـ تأكلُ ـ "شكراً" ـ الخبزُ عِمادُ المائدةِ ـ أقدّمُ السلّةَ إلى ولدٍ منخورِ الأسنانِ ـ يناديني "صاحبي" ـ وجهٌ بسيماءَ نقيةٍ ـ يتّزرُ بنصفِ اللونِ المفقودِ من قماشةِ اللوحةِ ـ نسيجٌ قطنيٌّ من أحمرَ ورديٍّ برتقاليٍّ رماديٍّ ـ عنوانها: "شجرةُ زيتونٍ تنيرها الأشواكُ" ـ "شكراً ـ "تمام" ـ مقدّمةٌ/ حاشيةٌ/ ثلاثيّ موسيقيّ ـ كلّ ما قيلَ في متحفٍ من اللهجاتِ ـ ألم تقرأ "محفوظَ" ـ ألم تسمع "فيروزَ" وأنت تقودُ عبرَ الوادي المعتمِ ليلاً ـ غريب ـ لسنا أغلبية ـ لكن كلنا عائلةٌ هنا ـ كلنا سواء ـ أخطبوطٌ من الأحضانِ ـ سيجارة ـ "شكراً" ـ تخفي "أميرة" دموعاً حيوية ـ طلاقٌ مُعلَّق ـ على الرجلِ أن يقبلَ ـ ثلاث سنوات ـ "ثلاث سنوات" ـ قد تُبلي حسناً إن لم يكن لديكَ حبيبٌ ـ خدّان تفّاحيتان حمراوان ـ يدور "فِراس" في الغرفةِ برقصةٍ كالفراشةِ ـ في الطرفِ البعيدِ يغني أحدٌ ـ صنوفٌ من الفنّ الشعبيّ السوريّ الممنوعِ ـ تتحوّلُ أمّ "سامي" إلى فينوسَ حقيقيةٍ وهي تغني ـ كيف ننطقُها ـ "يا دار" ـ تلفظُها كعرّافةٍ عبرَ زبديتِها الطحينيةِ ـ اسمُها يعني الليلَ الأطولَ من العامِ ـ هل تفهمُ كيفَ ـ "شكراً" ـ الرئيسُ الأسد ملكٌ بمليونِ عينٍ ـ ومليونِ أُذن ـ الترجمة: أرجوكَ يا "حبيبي" ـ فليست القصيدةُ عن العراقِ.

 

* James Byrne شاعر إنجليزي من مواليد 1977 ، صدرت له مجموعتان "ممرات الوقت" 2002 و"سكّر/دم" 2009. القصائد - باستثناء أول واحدة ـ من مجموعة "كلّ ما قد تحطّم يرقص" (ستصدر عن دار توبلو، الولايات المتحدة، عام 2015)


ترجمة: محمد عيد إبراهيم