ليتكلم العلماء

ليتكلم العلماء

17 يونيو 2014
+ الخط -

لا تكمن أهمية التخصص في أي مجال في التمكن من أسراره، واكتشاف الجديد فيه فقط، بل أيضاً في توفير ردعٍ لمن لا يعلم عن التبحر والاغراق في إبداء الرأي. أما عندنا في مصر، فليس هناك أدنى مراعاة لظاهرة التخصص، فالأمور، هنا، تسير متشابكة، أو كما نسميها بالعامية "سمك لبن تمر هندي". لانعدام الانتباه إلى موضوع التخصص دلائل ومظاهر كثيرة، لعل أهمها تسخيف قطاع من الإعلام لدينا مبدأ التخصص، فنجد، مثلاً، إحدى القنوات، تستضيف عارضة أزياء، لتستشيـرها في المشهد السياسي الحالي، أو تستضيف طاهي طعام، لتستشيره في تشخيص آراء اجتماعية.
ليس المقصود، هنا، إنكار الحق في إبداء الرأي على أحد، إنما لكل منا ما يستطيع أن يسهم بشأنه. وتتجلى هذه الظاهرة في الناحية الدينية، بما فيها من دقة وحساسية، حيث أصبح الدين في الإعلام بوابة مفتوحة، يتحدث فيها من لا يجد ما يتحدث به، ولعلنا نتذكر قول فنانة: "انا هعلمكم الإسلام من جديد".
كيف أصبح موضوع بحجم الدين، إسلامياً أو مسيحياً، سهلاً وطارئاً لدى القائمين على مثل هذه البرامج، حتى يقدموا من يتحدث بهذه البساطة عن تعليمه لنا. في مثال آخر؛ جاءت وقائع التحرش الجنسي في ميدان التحرير لتحتل المشهد، وظهرت معها قدرة الإعلام الموجه في مصر، على التعاطي والإفتاء فيما لا يعلمه، حتى وصل الموضوع إلى أن تدعو فنانة أخرى إحدى ضحايا التحرش والاغتصاب لقبول قدرها، قائلة "هو حد طايل".
دعونا نتحمل كل مسؤوليته، لأن من يتكلم من دون علم ومعرفة يتحمل مسؤولية التضليل، وليكن معلوماً عند من تغريهم الشهرة والجاه، أو المال، أن مشاعر الناس وخصوصياتهم ليست متاحة لهم كي يصطنعوا الافتراءات، ويمارسوا التجريح كما شاءوا، خدمة لإظهار مواقفهم المضادة لموقف الشعب وثورته.
كما أن سكوت علماء ومثقفين كثيرين، أو إسكاتهم، غرّ بعض تجار المواقف بتصدر الكلام، فعلى هؤلاء العلماء والمثقفين أن يراجعوا موقفهم، ويتذكروا مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم وأمتهم، كما على الإعلام أن يحترم التخصص والموضوعية والشفافية في طرح الآراء، وأن يوقر العلماء والمثقفين، ويقدم لهم المساحة لنقل المعرفة للناس، لا أن يكون همه إشغال ساعات البث بأي ثمن.

32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
إسلام فتحي (مصر)
إسلام فتحي (مصر)