ليبيون يسردون نجاحات وإخفاقات سلامة عقب تقديم استقالته

ليبيون يسردون نجاحات سلامة وإخفاقاته عقب تقديم استقالته

03 مارس 2020
سلامة: سعيت للمّ شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج(فرانس برس)
+ الخط -
شكّلت استقالة المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، خبراً صادماً لليبيين، في وقت تشهد فيه الساحة الليبية خروقات متوالية لقرارات مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، وفي ظل انهيار شبه تام للجهود الدولية الرامية للتوصل إلى حلول سلمية في ليبيا. 

وإن لم يصدر كثير من المواقف والتصريحات من قبل قادة طرفي النزاع إزاء "طلب الإعفاء" المفاجئ الذي أعلن عنه سلامة، مساء أمس في تغريدة قصيرة على تويتر، إلا أن ما صدر عنه حتى الآن عكس ما حملته الأيام الماضية من موجة استنكارات واتهامات من كل الأطراف الليبية لــ"سلامة" بالتحيز وعدم الحياد.

 

وفيما أعربت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الليبية، في بيان صدر اليوم، عن تقديرها لجهود البعثة الأممية لدى ليبيا "من أجل وقف إطلاق النار"، لم تعلق على استقالة رئيس البعثة غسان سلامة.

 من جهته، عبّر وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، عن أسفه لاستقالة سلامة، مؤكداً في تغريدة على حسابه على تويتر أن استقالة سلامة ستصعب الأمور بالنسبة للأوضاع في ليبيا، مضيفاً أنه "من الصعب أن يقبل مبعوث آخر مهمة العمل في ليبيا".

من جانبه، وصف عضو مجلس النواب المجتمع بطبرق، زياد دغيم، خبر استقالة سلامة بــ"السيئ"، وبعد أن أثنى على تاريخ سلامة السياسي، قال في تصريح لتلفزيون محلي ليلة أمس، "نعم أخطأ غسان سلامة، ولكن هذه طبيعة الأمور ونصيب كل مجتهد ومن الصعب أن نجد بديلاً أفضل منه"، وطالبه بالرجوع عن استقالته.

وبرر سلامة، الذي عُين في منصبه في يوليو/ تموز 2017 خلفاً للألماني مارتن كوبلر، استقالته بالقول: "أقرّ بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد. لذا طلبت من الأمين العام إعفائي من مهمتي، آملاً لليبيا السلم والاستقرار"، مضيفاً "سعيت لعامين ونيف للمّ شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد".

ورغم طول فترة بقائه، جدد مجلس الأمن ولاية سلامة مطلع العام الماضي، إلا أن سلامة لخّص نجاحاته بالقول في ذات التغريدة "عقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة رغم تردد البعض"، ويبدو أن عبارة "رغم تردد البعض"، بحسب المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، اختزلت كثيراً من الأسباب الحقيقية وراء استقالة سلامة.

وبينما أكد الناطق باسم الأمين العام، ستيفان دوغاريك، أن الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، تلقّى رسالة إلكترونية من سلامة، يعرب فيها عن اعتزامه ترك منصبه، وأن غوتيريس سيناقش مع سلامة "سبل ضمان انتقال سلس، حتى لا تفقد المكاسب التي تحققت قوتها وزخمها"، بحسب تصريحات صحافية أمس، إلا أن ذويب يرى أن الحملة الليبية، من كل الأطراف، التي اتهمت سلامة بالتحيز وعدم الحياد، مؤخراً، "أكدت له أن الأطراف أوصدت أبوابها أمامه ولن يستطيع إرغامها على الاستمرار في مباحثات المسارات الثلاثة"، مشيراً إلى أن سلامة لم يعلن عن نتائج ملموسة صدرت عن أي من المسارات الثلاثة، ما يؤكّد فشله.

ومنذ عام 2011، أرسلت الأمم المتحدة بعثة للدعم السياسي إلى ليبيا تولّاها الإنكليزي أيان مارتن، وتولّاها من بعده على التوالي اللبناني طارق متري، ثم الإسباني برناردينو ليون، وأخيراً الألماني مارتن كوبلر الذي سلّم منصبه لسلامة.

ورغم أن الحوار السياسي بين الأطراف الليبية انطلق على يد "ليون" نهاية عام 2014 وانتهى بتوقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، إلا أن الاتفاق لم يلق طريقاً للتنفيذ حتى الآن رغم المحاولات التي بذلها "كوبلر" من أجل فتح بنوده أمام تعديل البنود المختلف حولها، لكن "تصاعد وتيرة القتال، الذي توسعت رقعته على يد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، صعبت من مهمة سلامة بشكل كبير"، بحسب ذويب.

ويقول الباحث السياسي الليبي، بلقاسم كشادة، إن سلامة شخصية تمتلك كثيراً من المرونة والقدرة على مسايرة المستجدات المتسارعة التي كانت تفرزها في كل مرة حروب حفتر التوسعية في البلاد، لكن كشادة يعود للقول بأن "تلك المميزات أوقعته في فخ الدول الداعمة لحفتر، فالمعروف أنه مقرب من السياسة الفرنسية وله علاقة ببعض أمراء أبوظبي الذين أوقعوه في شرك اتفاق أبوظبي في فبراير/ شباط من العام الماضي".

وأوضح كشادة أن الاتفاق كان يمهد لمشروع الملتقى الوطني الجامع في غدامس ويدعمه، مشيراً، في ذات الوقت، إلى أنه لم يكن سوى وسيلة لكسب مزيد من الوقت للتغطية على الاقتراب العسكري الحثيث لحفتر من العاصمة وقتها.

وتؤخذ على سلامة طريقة تعامله مع الأطراف الليبية التي تتسم بالتكتم ورافقت إعداده لملتقى غدامس الذي كان من المقرر عقده في منتصف إبريل/ نيسان الماضي كما رافقت جهوده الأخيرة في جنيف ومشاركته في الإعداد لقمة برلين الدولية في 19 من يناير/ كانون الثاني الماضي، لكنها "استراتيجية اتبعها سلامة لمعرفته بأن الأطراف الليبية متعنتة في أغلب مواقفها".

وأوضح كشادة أن سلامة كان يطمح إلى الخروج بتوافق بين الأطراف في أيام قليلة، بعد أن يجمع الأطراف بعيداً عن تأثيرات مواقف الدول المتدخلة في الشأن الليبي. 
وأكد محاولة إجراء توافق بين الأطراف الخارجية في قمة برلين وتحييد تأثيراتها لتكون قاعدة انطلاق الداخل الليبي.

وبحسب ذويب، فإن أبرز إخفاقات سلامة تمثلت في تفتيت الحل إلى ثلاثة مسارات، موضحاً أن "محاولة فصل العسكري عن السياسي وإطلاق مسار آخر اقتصادي قوّضت كل مساعيه في برلين وسهلت عملية رجوع التأثيرات الخارجية"، وأضاف: "فمثلاً الإمارات تؤكد تمسّكها بالمسار السياسي، لكن باستقلال المسار العسكري وجد حفتر وداعموه الفرصة في عرقلته لكسب وقت إضافي لتكديس المزيد من الأسلحة"، لافتاً إلى أن استقالة سلامة أوجدت الأسباب لمن لا يريد لليبيا استقراراً أو يسعى لتمكين حكم العسكر.

وتبرز تصريحات سفير ليبيا السابق لدى أبوظبي العارف النايض ما يمكن تكهنه من ملامح مستقبل ما بعد تنحي سلامة، إذ قال بعد ترحيبه باستقالة سلامة "أرجو أن يكون قدوة في الاستقالة للسيد فايز السراج الذي يحكمنا باسم الدولة المدنية منذ أكثر من أربع سنوات دون انتخاب ولا ثقة برلمانية"، معتبراً أن الملتقيات القبلية التي عُقدت مؤخراً في مدينتي بني وليد وترهونة أيّدتا حفتر بديلاً واقعياً عن مؤتمر برلين.

وفي المقابل، أكد وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، في تصريح لوكالة "رويترز"، أن "قوات حكومة الوفاق ستعمل قريباً على ما سماه طرد مليشيات حفتر من طرابلس".​

مواقف دولية

أعرب السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، عن تطلع بلاده لتعيين مبعوث أممي جديد خلفاً لسلامة المستقيل لــ"استئناف الحوار بين الليبيين".

واعتبر نورلاند، في منشور على الصفحة الرسمية للسفارة الأميركية في ليبيا، أن سلامة بذل جهوده المتمثلة في الدعوة إلى حل سياسي شامل للأزمة في ليبيا، مضيفاً أن سلامة تمكن على مدار العامين الماضيين من بناء إطار يمكن استخدامه من قِبَل الباحثين عن السلام لإنهاء الصراع.

وأكد السفير ضرورة "تعيين خلف لمواصلة عمل سلامة واستئناف الحوارات الداخلية بين الليبيين التي تيسرها الأمم المتحدة في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية".

من جانبه، قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بعد أن أعرب عن تقديره لجهود سلامة في ليبيا، إن "خطته أسهمت في بداية ناجحة للحوار الليبي"، طبقاً لما أوردته وسائل إعلام ألمانية اليوم.

وأضاف ماس أن الطريق أمام المجتمع الدولي ما يزال طويلاً لتحقيق استقرار وسلام في ليبيا، مؤكداً أن بلاده "مستمرة في العمل مع الأمم المتحدة من أجل دعم استقرار ليبيا".​