فتح برلمان طبرق الموالي للواء المتقاعد خليفة حفتر الباب أمام تدخّل عسكري مصري معلن في الصراع الليبي، بدعوته الجيش المصري إلى التدخّل "لحماية الأمن القومي" للبلدين، وذلك على الرغم من المساعي الدولية لحل سياسي لملف سرت. في المقابل، تسعى حكومة الوفاق لترتيب وضعها، عبر تعديل وزاري مرتقب سيطاول تحديداً وزارتي الداخلية والدفاع.
ودعا برلمان طبرق، مساء الإثنين، الجيش المصري إلى التدخّل "لحماية الأمن القومي" للبلدين، مشدداً على أهمية تضافر جهودهما من أجل "دحر المُحتل الغازي" التركي، بحسب ما جاء في بيان شدد على أنّ "للقوات المسلحة المصرية التدخّل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري إذا رأت أن هناك خطراً داهماً وشيكاً يطاول أمن بلدينا". وإذ حذر من "المخاطر الناجمة عن الاحتلال التركي" لليبيا، فإنه دعا إلى "تضافر الجهود بين ليبيا ومصر بما يضمن دحر المحتل الغازي ويحفظ أمننا القومي المشترك ويُحقّق الأمن والاستقرار في بلادنا والمنطقة".
وجاء الرد سريعاً من قوات حكومة الوفاق، وقال المتحدث باسم الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" عبد المالك المدني، عبر "تويتر"، إن الجيش المصري على ما يبدو "لم يعجبه كثيراً مصير فاغنر والجنجاويد في ليبيا". وأضاف: "لنذكرهم بأن سيناء أقرب لهم من سرت والجفرة، وسد النهضة ليس في ليبيا بل في إثيوبيا. على العموم لا مشكلة: نحن ننتظرهم وعليهم أن يفكروا في الخروج قبل الدخول".
كما أكد الاتحاد الأوروبي ضرورة عمل كافة الأطراف المنخرطة في الصراع في ليبيا وتلك الداعمة لها على التوجه نحو الحل السياسي تحت مظلة عملية برلين. وأوضحت متحدثة باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل أن الاتحاد لا يرى بديلاً عن احترام الأطراف لمقررات مؤتمر برلين، لا سيما ما يتعلق بقرار مجلس الأمن الخاص بحظر توريد السلاح لليبيا، كما أنه يفكر بتشديد نظام العقوبات لإنفاذ هذا الأمر. في المقابل، لم تتأخر روسيا في دعم موقف المعسكر الموالي لها، ورأى النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير جاباروف، أن تدخل الجيش المصري في النزاع الليبي يمكن أن يساعد على استعادة الدولة الليبية. وشدد على أنه يجب السعي إلى حل سياسي للأوضاع في ليبيا، مضيفاً: "بالطبع هناك حاجة لإجراء مفاوضات سياسية لتسوية الوضع. ولكن إذا ساعد الجيش المصري ليبيا على استعادة الدولة، فسيكون ذلك جيداً".
الاتحاد الأوروبي: على كافة الأطراف المنخرطة في الصراع العمل على التوجه نحو الحل السياسي
ميدانياً، أعلن المتحدث الرسمي باسم غرفة تحرير الجفرة - سرت التابعة للحكومة، عبد الهادي دراه، أن الهدوء يطبع مختلف محاور القتال في تخوم المدينة، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" إصرار قوات الوفاق على بسط سيطرتها على سرت والجفرة، ومشيراً إلى استكمال الاستعدادات وانتظار الأوامر بشأن العمليات القتالية. فيما أكد المتحدث الرسمي باسم قوات حكومة الوفاق، محمد قنونو، إصرار حكومة الوفاق على بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي. وأعلن في تصريح "إننا ماضون إلى مدننا المختطفة، ورفع الظلم عن أبنائها، وعودة مهجريها، وسنبسط سلطان الدولة الليبية على كامل ترابها". وأضاف "حان الوقت ليتدفق النفط مجدداً والضرب على الأيدي الآثمة العابثة بقوت الليبيين وإنهاء وجود المرتزقة الداعمين لمجرم الحرب الذي أباح لهم أرض ليبيا وسماءها".
وفي سياق تعطيل مليشيات حفتر عمل المنشآت النفطية، برز إعلان القائم بأعمال رئيس البعثة الروسية لدى ليبيا، جامشيد بولتايف، أن الحديث عن إمكانية فتح حساب في أحد البنوك الروسية لعائدات النفط الليبي سابق لأوانه، فمن غير المنطقي مناقشة هذه المسألة قبل التوصل لحل سياسي للأزمة في البلاد. وقال لوكالة "سبوتنيك" إن بلاده تسعى لإيجاد أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة بشأن الوضع في ليبيا، وأنه لا توجد خلافات بين الطرفين "لا يمكن التوافق عليها".
في هذا الوقت، برز موقف لافت لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح الذي وصل إلى روما لإجراء مباحثات سياسية، إذ لم ينف وجود خلافات مع حفتر. وقال صالح في مقابلة مع مجموعة "آدنكرونوس" الإعلامية الإيطالية بشأن العلاقة مع حفتر، إن "التواصل بيننا دائم"، وأردف "كما يقال الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية"، وهذا "من دلالات الصحة"، إلا أنه أشار إلى أن "الهدف المشترك يبقى حل الأزمة واستقلال ليبيا وسلامة أراضيها". وقال صالح، قبل لقاءات في روما تجمعه برئيس الوزراء جوسيبي كونتي ووزير الخارجية لويجي دي مايو ورئيسي مجلسي الشيوخ والنواب: "أنتظر الدعم من أجل حل الأزمة وحث بعثة الأمم المتحدة على الإسراع في دعوة لجنة الحوار لتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة من رئيس ونائبين ورئيس وزراء ومجلس رئاسي". كذلك أشار، بناء على مبادرته السياسية التي أعلنها سابقاً، إلى أن من مهام المجلس "تكليف رئيس وزراء لتشكيل حكومة تعرض برنامجها على مجلس النواب". وحذّر من أن عدم الالتزام بوقف إطلاق النار سيقود إلى "حرب طاحنة في ليبيا لا يعلم نتيجتها إلا الله"، فيما نفى مسؤولية مليشيات حفتر عن إغلاق آبار النفط. وعن العلاقات مع الولايات المتحدة، قال "ننتظر أن تكون أفضل"، مشيراً إلى اتصال جرى أخيراً من جانب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الذي تحدّث عن "دعم الحل السياسي وإعلان القاهرة ووقف إطلاق النار".
صالح لا ينفي الخلافات مع حفتر: لا تفسد للود قضية
على خط آخر، كشفت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لـ"العربي الجديد" عن قرب إعلان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج عن تعديل وزاري تجاوباً مع مستجدات الأوضاع السياسية في البلاد. وقالت المصادر إن أهم تعديل سيطاول وزارتي الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تكليفات جديدة في وزارات الصحة والحكم المحلي والمواصلات. وأوضحت أن السراج سيعيّن وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا وزيراً للدفاع، فيما سيتم تكليف رئيس جهاز الأمن الداخلي إبراهيم الشقف وزيراً للداخلية. وتابعت أن "القرارات الجديدة ستقصي محمد سيالة من الخارجية وسيتم تكليف السفير الليبي لدى الاتحاد الأوروبي حافظ قدور بمنصب وزير الخارجية". وبعكس التكليفات السابقة للمناصب الوزارية، منذ عام 2016، التي كانت تجرى بناء على التفويض الممنوح من عدد من نواب البرلمان للمجلس الرئاسي، فالتكليفات الحالية سيصادق عليها مجلس النواب المجتمع في طرابلس، بحسب المصادر، التي أشارت إلى أن المستجدات السياسية ونتائج الحرب التي انتهت بطرد مليشيات حفتر من غرب ليبيا، حتمت على المجلس الرئاسي التجاوب معها، خصوصاً مع عدم فاعلية أبرز وزارتين وهما الخارجية والدفاع.