ليبيا: تقاسم أم تقسيم؟

ليبيا: تقاسم أم تقسيم؟

02 يوليو 2020
تغرق ليبيا في آتون الحرب منذ سنوات (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

منذ أن تمّ تدويل الملف الليبي بقراراتٍ متعاقبة لمجلس الأمن الدولي ابتداءً من عام 2011، أخذت الأزمة الليبية تتجه أكثر فأكثر إلى التعقيد، والارتهان في كلّ مسارات البحث عن حلٍّ لها إلى جهود ووساطات مبعوثي الأمم المتحدة. هؤلاء أيضاً، عملوا وفق رؤى وتصورات تسير في ركب سياسات الدول المتدخلة في ليبيا، تبعاً لقرب هذا المبعوث أو ذاك من إحدى عواصم الثقل، المنخرطة في ملف هذا البلد الغني بالموارد، وعلى رأسها النفط. هكذا بات التكهن بقرب انتهاء الأزمة الليبية يرتبط بالحديث عن وصولها إلى الفصل الأخير، والذي تمهد له تلك العواصم.
لكن آخر فصول الأزمة لم يكن في دهاليز وكواليس الغرف الجانبية المحاذية للغرفة التي جمعت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي ممثلين عن الأطراف الدولية الفاعلة في برلين، طبعاً باستثناء خليفة حفتر وفائز السراج، عندما انطلقت مسارات ثلاثة للحل. وقتها، لم يكن الحديث متجهاً إلى أكثر من البحث في المسارين السياسي والعسكري، واللذين كان مؤكداً فشلهما وسط أتون استمرار الحرب، ومجاهرة داعمي حفتر بدعمه صراحة سياسياً وعسكرياً.

اليوم، بعد أكثر من عام على محاولة حفتر اقتحام طرابلس، يُفاجأ الرأي العام الليبي، والمغيب منذ زمن، بقدرة الأطراف الدولية على وقف الاقتتال والدمار في لحظة، تجمد فيها الزمن عند خطّ سرت -الجفرة، الفاصل بين الشرق والغرب، لتنطلق سلسلة مداولات ومفاوضات في عواصم كبرى، ليس من بينها بالطبع طرابلس أو بنغازي، وتكشف عنها تصريحات كبار مسؤولي تلك العواصم المتقاربة أو المتباعدة وفق مصالحها.

وأُعلن في التاسع من فبراير/شباط الماضي عن انعقاد أولى جلسات المسار الاقتصادي في القاهرة، من دون أن يتوفر البيان وقتها على هوية المشاركين، إلا أن المفاوضات بشأن هذا المسار لا يبدو أنها توقفت، فبيانات السفارة الأميركية أشارت إلى رعاية أكثر من لقاء، بعضها احتضنته العاصمة التونسية. وبرزت آخر مؤشرات استمرار تلك المفاوضات، في بيان المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، يوم الاثنين الماضي، التي أكدت صراحة انخراطها كطرف مستقل في مفاوضات منذ أسابيع مع أطراف ليبية، كحكومة الوفاق، وبصراحة أكثر أطراف إقليمية، لم تسمها. وكدليلٍ على صلة ذلك بالمسار الاقتصادي، قالت المؤسسة إن المفاوضات تجري برعاية الأمم المتحدة.

من دون شك، فإن المضمون واحد، غير أن العنوان تبدل، وأصبح أكثر وضوحاً، فالمسار الاقتصادي أفضى، في ما يبدو، إلى نتيجة واحدة، وهي "تقسيم موارد النفط بشكل عادل"، مع ضمان استمرار عودة تدفق النفط الذي اعتبرته السفارة الأميركية، يوم السبت الماضي، "شرطاً أساسياً للتوافق الليبي".

هكذا بات واضحاً أنه لا يوجد حلٌّ عسكري، كما أنه لا يوجد حلٌّ سياسي، ومن يرسم معالم إنهاء الصراع هو النفط، أما واقع التشظي الغارق في الدماء طوال سنين، فما كان سوى تمهيدٍ لهذا الفصل، الذي يُلوح بالخطوة المقبلة كأساسٍ للتقاسم، والتي تقوم على إرجاع البلاد إلى وضع الأقاليم "التاريخية" الثلاثة. أما التفاصيل، كترسيم الحدود الفاصلة بين هذه الأقاليم، والتي كانت تلاشت مع الزمن، ومن يتولى إدارة ريع النفط في كل إقليم، وغيرها من التفاصيل، فهي مهمة الوكلاء المحليين، بعد تعميق حالة الصراع بينهم وما نتج عنها من تهجير وتغيير ديمغرافي وتداعيات أخرى، بحيث أصبح الحديث عن "المصالحة" ضرباً من المستحيلات، حتى وإن ظلّت بعض الأصوات الوطنية تطالب بالرجوع للشعب لاستفتائه حول مصير بلاده، لقاء حالة الوصاية الدولية التي يراد فرضها عليه بقوة الأمر الواقع.​

المساهمون