ليبيا النسخة السورية

ليبيا النسخة السورية

29 ديسمبر 2019
+ الخط -
يوماً بعد يوم، تزداد القناعة بأن الأراضي العربية باتت ساحةً لصراع قوى دولية وإقليمية، تريد تأكيد أحقيتها بالوجود على خريطة النفوذ العالمي، وأن يُحسب لها ألف حساب في المحاصصات الدولية التي تقوم في هذه المنطقة أو تلك. باتت ليبيا اليوم رسميا واحدة من تلك الساحات، وبشكل أكثر وضوحا، بعدما كان الصراع، في السنوات الماضية، يأخذ شكلاً محلياً أكثر، مسنودا بدعم خارجي إقليمي محدود، سواء بالنسبة لقوات حكومة الوفاق في طرابلس، أو مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي. لم تكن شركات النفط الدولية بعيدةً عن المشهد، وهو ما دفع حينها إلى دور أكثر لفرنسا وإيطاليا بالاصطفاف إلى جانبي الصراع، ودعم طرف على حساب آخر، في وقتٍ كانت الأمم المتحدة تلعب دور وسيط من دون حوْل ولا قوة.
يبدو أن هذا المشهد الذي غذّى الاقتتال بين الشرق والغرب الليبيين، أصبح من الماضي، فهناك مشهد جديد ترتسم له أبعاد أوسع من المحيطين الإقليميين، العربي والغربي. دخلت إلى المشهد أطراف أخرى، في مقدمتها روسيا، والتي باتت تتصرّف في ليبيا، تماما كما هو الحال في سورية، وكأنها صاحبة الكلمة العليا، وتتحكّم بالساحة العسكرية لقوات الشرق الليبي، وتحدد من يحضر أو يغيب عن مؤتمر برلين، المقرّر أن يحاول إنهاء الصراع العسكري في ليبيا سلمياً. ولم يقف الدور الروسي عند هذا الحال، بل باتت هناك حالة استنساخ للتجربة السورية في ليبيا، إنما خطوة بعد خطوة، فها هي مرتزقة فاغنر المعروفة، والتي سبق لها أن لعبت، ولا تزال، دوراً في سورية، تنشط على الأرض الليبية لدعم مليشيات حفتر، ما قد يمهّد لاحقاً لدخول عسكري روسي مباشر على الخط، خصوصاً في حال نفذ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديداته بإرسال قواتٍ إلى الغرب الليبي، لدعم حكومة فايز السراج.
يعطي الدخول التركي المفاجئ أيضاً إلى المشهد الليبي الانطباع نفسه بأن نسخةً ليبيةً من سورية في طريقها إلى التبلور. فإلى الأمس القريب، كانت أنقرة من المساندين سياسياً لحكومة الوفاق، ولكن من دون الدخول المباشر في الصراع، إلى أن تم التوقيع على مذكرة التفاهم مع حكومة السراج، والتي تضمّنت، من ضمن بنودها، التنقيب عن الغاز قبالة السواحل الليبية المواجهة للسواحل التركية. كان الصراع على الطاقة في البحر المتوسط أحد أسباب التدخل التركي المباشر، وخصوصاً في ظل الاتفاقات المصرية اليونانية على توزيع الحصص في مناطق الغاز في البحر، وهو ما استبقته تركيا ببدء التنقيب بشكل مباشر، والقفز خطوة إلى الأمام بالذهاب نحو السواحل الليبية، لقطع الطريق على التدخل المصري المتعاظم هناك في دعم حفتر، سياسيا وعسكريا، بإمداد ماليٍّ من بعض دول الخليج، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية. دخول تركي يشبه، إلى حد كبير، ما يحصل حالياً في سورية، وعملية "نبع السلام"، والتي تسعى من خلالها أنقرة إلى إبعاد التهديد الكردي عن أراضيها، وحماية ما تراه أمنها الداخلي. يمكن القول إن الأمر نفسه يحصل في ليبيا، لكن لحماية أمن الطاقة الخاص بأنقرة، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وإنْ باستخدام القوة العسكرية.
وإذا كان التدخل التركي في ليبيا، وسورية، مفهومًا من ضمن الاعتبارات الجيوسياسة المباشرة، فإن المصالح المباشرة للتمدّد الروسي تبقى غير واضحة، إلا في إطار إعادة الاعتبار لإمبراطورية الاتحاد السوفييتي، والاستفادة من التراجع الأميركي السياسي والعسكري في العالم، وكسب أراضٍ جديدةٍ للمساومة عليها لاحقاً في إطار التفاهمات الدولية على الخريطة العالمية، ما يعني أن ليبيا قد تكون مقبلةً على مرحلة أكثر خطورة في سياق صراعها الداخلي، ولكن هذه المرّة بأبعاد دولية أوسع.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".