ليبيات يزاولن مهناً شاقة

ليبيات يزاولن مهناً شاقة

24 ديسمبر 2019
تأمين لقمة عيش الأبناء هو الهدف (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
ساهمت الحرب في ليبيا وكذلك التغيّر الاجتماعي الذي سُجّل بعد عام 2011 في انخراط الليبيات في مهن كانت حكراً على الرجال. وهكذا رحنَ يتحدّينَ كل الظروف لتأمين لقمة عيش كريمة على الرغم من مشقّة العمل

لم يلقَ خبر فتح ثلاث نساء ليبيات ورشة لتصليح سيارات في مدينة سبها، جنوبي البلاد، في مطلع ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري، استهجاناً أو رفضاً في مجتمعهنّ شديد المحافظة، بل بخلاف ذلك راحت مواقع التواصل الاجتماعي الليبية تنشر صور صالحة وآمال ونعيمة وهنّ ينجزنَ عملهنّ في داخل ورشتهنّ الجديدة، مع الدعاء لهنّ بالتوفيق وتشجيعهنّ. وقد أعلنت كذلك شركة خاصة لقطع غيار السيارات في ليبيا دعمها النساء الثلاث من خلال تبرّعها بمجموعة من مستلزمات الورش، في مؤشّر إلى تغيّرات في التقاليد الاجتماعية، علماً أنّ ثمّة مناطق ليبية ما زالت ترفض مشاركة المرأة في شؤون الحياة من الأساس.




خميس المقرحي من المواطنين الذين رحّبوا بممارسة النساء الثلاث "مهناً منهكة كانت محصورة بالرجال"، ويؤكّد أنّ "الأمر لم يتجاوز المألوف من وجهة نظري، فالورشة هي بإشراف رجل بالتالي على الزبون التعامل معه وليس مع النساء الثلاث". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأوضاع المعيشية المتردية هي التي أجبرت نساء اليوم على ممارسة مثل هذه المهن، خصوصاً اللواتي فقدنَ أزواجهنّ بسبب الحرب أو التهجير ولا معيل لهنّ". ويشير إلى أنّ "ثمّة مآسي مختلفة في عائلات هؤلاء النساء"، ويتحدّث عن "عائلات اضطرت إلى إخلاء بيوتها أو حُرمت ممّا كان يقدّمه لها محسنون لسبب أو لآخر أو هُجّرت إلى بيئات ومناطق جديدة تضطر فيها المرأة إلى خوض أيّ مجال عمل متوفّر يمكنها من خلاله تأمين عيش كريم لعائلتها".

في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية الليبية حسنية الشيخ لـ"العربي الجديد" إنّ "الحدث لافت لأنّ النساء يمارسنَ عملاً رجالياً صرفاً، وأن يتعاطى الزبون معهنّ مباشرة أم لا ليس بأمر مهمّ". تضيف أنّ "المجتمع بات يألف امتهان النساء التعليم أو الطبّ المتعلّق بالأمراض النسائية والتوليد أو التمريض أو إدارة شؤون الموظفين، فيما رحنَ يكتسحنَ كذلك مجالات تتطلب وجود امرأة ويستحسنها المجتمع من قبيل مهنة التجميل والبيع في محلات ملابس نسائية"، مؤكدة أنّ "اقتحام المرأة مجال الرجال اليوم يُعَدّ تحوّلاً جديداً في المجتمع، لا سيّما مع الترحيب الذي لقيه تداول صور النساء الثلاث على مواقع التواصل الاجتماعي".

وتشير الشيخ إلى أنّ "النساء الليبيات يعملنَ اليوم كذلك في مجال التدريب الرياضي الذي يتطلب في بعض أنواعه (من قبيل الرياضات الخاصة بالدفاع عن النفس) جهداً وقوّة مضاعفين. وهذا الأمر نشاهده في طرابلس ومدن أخرى. بالإضافة إلى ذلك، انخرطت نساء في الفرق الكشفية التي تجوب المدن والقرى الليبية على الرغم من التحفظ الاجتماعي".

من جهتها، اضطرت أمّ هالة، أرملة تقيم في حيّ النجيلة في العاصمة طرابلس، إلى العمل مع واحدة من بناتها في مجال المبيعات بسبب تردّي الوضع المعيشي. تقول لـ"العربي الجديد": "أرافق ابنتي يومياً لتوصيل سلع تعرضها شركات ملابس وأكسسوارات على صفحاتها الإلكترونية، إلى من يشتريها، علماً أنّها تعلّمت قيادة السيارات حديثاً بهدف العمل". تضيف أمّ هالة: "تواصلت مع أصحاب تلك الصفحات وعرضت عليهم توصيل مبيعاتهم إلى منازل الشارين سواء في طرابلس أو خارجها"، موضحة: "أوصل السلع شخصياً في داخل طرابلس لكنّني أتعامل مع مركبات نقل لتوصيلها إلى خارجها". وتلفت أمّ هالة إلى أنّ "ثمّة شابات ليبيات اضطرتهنّ ظروف اللجوء إلى العمل كنادلات في مطاعم ليبية في تونس"، مشدّدة على أنّ "ما أجبر الليبيات على خوض الأعمال الشاقة أو تلك التي يستهجنها المجتمع هو ظروف الحرب القاسية والغلاء".

أمّا فرح الورفلي فقد التحقت بحسب ما تخبر "العربي الجديد" بدورة تدريبية لتعلّم صيانة الهواتف النقالة، مؤكدة أنّها "ليست المرّة الأولى التي أعمل فيها بمجالات مماثلة كانت تقتصر على الذكور، فقد سبق أن تابعت دورة لتعلّم صيانة التلفزيونات في طرابلس". تضيف الورفلي: "لاحظت إقبالاً نسبياً على تعلّم مهنة الصيانة سواء الهواتف أو أجهزة التلفزيون، لكنّ الإقبال الأكبر بين النساء هو على تعلّم التصوير"، مشيرة إلى أن "المرأة الليبية اليوم تبحث عن أيّ وسيلة لكسب لقمة العيش، والتصوير مهنة نسائية مطلوبة مثلاً في الأفراح والمناسبات المختلفة". وعلى الرغم من اعترافها بأنّها لم تجد فسحة بعد لممارسة مهنتها، فإنّها تعبّر عن "اعتزازي بتجربتي، لا سيّما أنّني اكتسبت معرفة في مهنة جديدة لم تكن متاحة للنساء".




وتلفت الشيخ في هذا الإطار إلى أنّ "سياقات تغيّر الثقافة المجتمعية في البلاد لها دورها في ما يحدث إلى جانب الدوافع المعيشية التي جعلت النساء يزاولنَ مثل تلك الأعمال"، موضحة أنّه "بعد الثورة في عام 2011 شاهدنا مشاركة نسائية ظاهرة في الشأن السياسي من دون الاكتراث بالنقد. ولا أظنّ أنّها وظائف أتت بدافع معيشي، إنّما في طور جديد من التغيّر الاجتماعي".

المساهمون