لهذه الأسباب خلق جبل طارق أزمة بين بريطانيا وإسبانيا

لهذه الأسباب خلق جبل طارق أزمة بين بريطانيا وإسبانيا

02 ابريل 2017
هل يؤدي "بريسكت" لعودة السيادة المشتركة؟ (جورج جوريرو/فرانس برس)
+ الخط -


خلق توقيع بريطانيا على رسالة تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، والتي تعني رسمياً طلب مغادرة الاتحاد الأوروبي "بريكست"، مشكلة حول عضوية جبل طارق في الاتحاد، إذ إنّ توقيع الرسالة، يعني دخول إسبانيا على الخط، بين بروكسل، وبين لندن التي لها حق السيادة على الإقليم، عند بحث مستقبله.

وأشار الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، إلى أنّ إسبانيا سيكون لها حق النقض (الفيتو) على العلاقة المستقبلية للتكتل مع جبل طارق، والذي يقطنه 32 ألف شخص على الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة الإيبيرية.
ووفقاً للموقف المشترك للاتحاد الأوروبي من محادثات الخروج مع بريطانيا، فإن أيّ اتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد قد لا ينطبق على جبل طارق دون اتفاق منفصل بين إسبانيا وبريطانيا.
جبل طارق ومساحته لا تتجاوز 7 كيلومترات مربع، منطقة حكم ذاتي تابعة للتاج البريطاني، تقع في أقصى جنوب شبه جزيرة إيبيريا على منطقة صخرية في مياه البحر الأبيض المتوسط. تسمى محلياً بـ"جبرلتار" وهو تحريف لاسم "جبل طارق".
شهد جبل طارق هجوماً خلال الحرب التي شنتها إنكلترا وهولندا والنمسا، ضد تحالف إسباني فرنسي، في العام 1704. وبعد قصف استمر 6 ساعات تحت قيادة الأدميرال جورج روك على رأس قوة مؤلفة من 1800 بحار بريطاني وهولندي، سقط جبل طارق وخضع لاتفاقية استسلام. وبالرغم من المحاولات الإسبانية الفرنسية، لم تتمكن إسبانيا من استعادة شبه الجزيرة ووقعت في عام 1714 معاهدة "أوترشت" والتي تخلت بموجبها إسبانيا عن جبل طارق لصالح بريطانيا.
بقي جبل طارق مستعمرة بريطانية حتى 1981 عندما ألغت بريطانيا هذه المكانة، وقررت إقامة مناطق حكم ذاتي في ما بقي من مستعمراتها السابقة. وبعد تغيير طريقة الحكم في منطقة جبل طارق، طالبت إسبانيا بإعادة المنطقة لسيادتها، مستعينة بما تنص عليه الاتفاقية بين البلدين حول إعادة المنطقة إلى إسبانيا في حال حدوث تنازل بريطاني عنها. أما بريطانيا فأعلنت أنها لم تتنازل عن المنطقة وأن الحكم الذاتي لا يلغي إنتماء المنطقة إلى التاج البريطاني، لكنّها وافقت على فتح ميناء الإقليم الاستراتيجي أمام السفن الإسبانية.
وأمام الدعوات المستمرة من قبل إسبانيا لتقاسم السيادة المشتركة مع بريطانيا، شهد الإقليم استفتاء شعبياً عام 2002، صوّت خلاله السكان، ومعظمهم بريطانيون، بنسبة 99% لصالح البقاء داخل التاج البريطاني.

وجبل طارق عضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 1973، بموجب اتفاق بريطانيا مع التكتل، وخلال استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران العام الماضي، صوّت مواطنو الجبل لصالح البقاء في الاتحاد بنسبة بلغت 96 بالمائة، على الرغم من تصويت 52 بالمائة من البريطانيين لصالح الخروج.

يؤيد مواطنو جبل طارق البقاء بالاتحاد (جورج جوريرو/فرانس برس) 






ومع "بريكست" يدور الجدل حالياً حول عضويته في الاتحاد الأوروبي، بين لندن التي تعهدت، اليوم الأحد، تحت الضغوط الداخلية، الوفاء بالتزاماتها حيال مواطنيه، وبين مدريد التي تسعى لاستعادة السيطرة على الإقليم.

كما يدور الجدل داخل بريطانيا نفسها، لا سيما أنّ الحكومة البريطانية واجهت انتقادات، بسبب عدم تطرّقها إلى وضع جبل طارق، في الرسالة التي وجهتها إلى الاتحاد الأوروبي لتفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة.

وبعد وقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسبانيا، ومنحها حق الفيتو خلال بحث عضوية جبل طارق، قال المتحدث باسم الحكومة الإسبانية، إينييغو منديز دي فيغو، في تصريحات صحفية، إنّ مدريد راضية بقرار الاتحاد، معتبراً أنّ الاتحاد الأوروبي اعترف بـ"الوضع القانوني والسياسي الذي دافعت عنه إسبانيا".

وفي مواقف الأطراف المعنية، اتهم رئيس وزراء جبل طارق فابيان بيكاردو، إسبانيا بسعي "مشين" لاستغلال "بريكست" من أجل بسط سيطرتها على الإقليم، مؤكداً في الوقت ذاته معارضته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنّه لم يهاجم مباشرة تيريزا ماي وحكومتها.

وقال إنّ "ما نشهده هو دلالة واضحة على الموقف المفترس من قبل إسبانيا، لا سيما أنّنا نتوقع أن تسعى لفرض هذا الموقف على شركائها في الاتحاد الأوروبي". وأضاف أنّ "سجل جبل طارق كعضو في الاتحاد الأوروبي هو نموذج مثالي، وشعبنا يؤيّد بحماس الاستمرار بعضوية الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء... خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي معقّد بالفعل بما فيه الكفاية، فضلاً عن محاولة إسبانيا تعقيده".

واليوم الأحد، تعهدّت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، بأنّ بلادها ستظل على التزامها تجاه جبل طارق، وسط المخاوف بشأن مستقبلها مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقال مقرّ الحكومة البريطانية "دوانينغ ستريت"، وفق ما أوردت "أسوشييتد برس"، إنّ ماي اتصلت هاتفياً برئيس وزراء جبل طارق، لطمأنته بأنّ لندن ستظل "ملتزمة بالعمل مع جبل طارق من أجل التوصّل إلى أفضل نتيجة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسوف تواصل إشراك المنطقة تماماً في العملية".

وكان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، قد أكد أنّ دعم بريطانيا لجبل طارق سيظلّ "كالصخرة لا يلين"، بعدما تحدّث عبر الهاتف مع بيكاردو، أول أمس الجمعة.

وكتب جونسون على حسابه في "تويتر"، "مثلما هو الحال دائماً فإنّ المملكة المتحدة ستظل كالصخرة لا تلين في دعمها لجبل طارق".

يأتي هذ بعدما طالب حزب "العمال" بحماية حقوق المواطنين البريطانيين في جبل طارق، خلال المفاوضات القادمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبعد اجتماعه مع نظيره الحكومي ديفيد ديفيس، أمس السبت، حذّر سكرتير الحزب كير ستارمر، في تغريدة على "تويتر"، من تجاهل وضع الإقليم الذي صوّت "مراراً وتكراراً وبقوة" على البقاء تحت سلطة بريطانيا في الاستفتاءات الأخيرة على استقلاله.

وقال ستارمر إنّ "جبل طارق ليس صفقة مساومة"، مشدّداً على ضرورة "حماية السيادة على جبل طارق، وضمان حماية مصالح المواطنين البريطانيين هناك".

وفي السياق، دعا الديمقراطيون الليبراليون الحكومة البريطانية إلى وضع خطة لحماية مواطنيها، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ليب ديم إنّ "من واجبنا دعم أقاليمنا في الخارج، وإنّ أي محاولة لمسح أهمية جبل طارق ستكون تقصيراً في الواجب، ودفع مارغريت تاتشر للتقّلب في قبرها".

وحول الجدل القائم، قال أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة كوميلاس بمدريد إميليو ساينز فرانسيس، في تقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أمس السبت، إنّ "إدراج جبل طارق كملف تفاوضي رفيع المستوى في محادثات بريكست مع الاتحاد الأوروبي، يعكس صعود دور إسبانيا داخل الكتلة بينما تستعد بريطانيا للمغادرة".

وأضاف أنّ "مغادرة المملكة المتحدة، مكّنت إسبانيا من الصعود إلى المراتب الأولى للاتحاد الأوروبي الذي أتاح من جهته ذلك لمدريد بمنحها حق الفيتو. مدريد أضيفت بشكل غير رسمي إلى نادي الدول الكبرى".

ووفقاً للصحيفة، فإنّ المواجهة على جبل طارق قد تكون "مؤلمة" للحكومة الإسبانية، وسط معاناتها من ركود اقتصادي، حيث تعتمد المناطق القريبة من الإقليم، بشكل كبير على الوظائف التي يتيحها. لكنّ المتشددين في الحكومة الإسبانية حيال "بريكست" قد يكونون على استعداد لتحمّل هذه التكاليف السياسية، في محاولة للاستفادة من حدث نادر.

وحول هذا الشأن، قال المحلل في شركة "تينيو إنتليجانس" الاستشارية في مجال المخاطر السياسية، أنطونيو باروسو، لـ"ذا غارديان"، إنّ "إسبانيا تريد استخدام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كرافعة مالية. إنّه إحدى تلك اللحظات التاريخية التي تتيح فرصة إحداث تغييرات في الظروف غير المباشرة، والتي تسنح لك أن تكون قوياً للاندفاع من أجل شيء ما"، خاتماً بالقول إنّ "الهدف النهائي لإسبانيا هو الدفع من أجل السيادة المشتركة على جبل طارق".

المساهمون