لهذا نحن نرفض "إعلام الإخوان"

لهذا نحن نرفض "إعلام الإخوان"

07 مارس 2020
+ الخط -
في التراشق الإعلامي أخيرا بين المؤدّي الكوميدي، يوسف حسين، مقدم "جو شو" على تلفزيون العربي، وإعلاميين من قنوات الإخوان المسلمين التي لا تريد أن تُعرَف بذلك، ثمّة كثير مما سُكت عنه. 
لم يزد يوسف عن نقد سياسي يخصّ سخريته من تحريض المصريين على نزول الشارع لصناعة ثورةٍ هم وقودها، لا المحرضون الآمنون في الخارج. هذا رأيٌ قد يحتمل الاتفاق أو الاختلاف، بينما في المقابل رد المذيع محمد ناصر مهاجماً يوسف بألفاظ عنصرية، وصفه بالـ "الفلاح الكِلِح" ونحوها، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة.
ولكن الحقيقة أن هذه هي فقط قمة الجبل الأحدث. على سبيل المثال، في حالة محمد ناصر، تعد ذروة تاج أرشيفه حلقة في يناير/ كانون الثاني 2015، قال فيها نصاً "أنا بقولكم على الهواء اقتلوا ظباطه.. أنا عايز اقول لكل زوجة ظابط زوجك هيتقتل، هتترملي"، وبعد وصلة طويلةٍ، أجرى مداخلة هاتفية مع أحد "المقاومين" في حي المطرية الذي حكى له كيف اشتبكوا بالسلاح.
شاهدت ناصر لاحقا في حلقاتٍ نارية عن "تعدّد الزوجات"، كأن شيئاً لم يكن. بعيداً حتى عن مناقشة مسألة العنف نفسها، أين يوجد على ظهر الأرض توصيف لـ"ممارسة إعلامية" مهنياً كهذه؟ ليس الأمر حصريا بشخص، فقد كانت فترة عامي 2015 و2016 غنية بالنماذج المشابهة، والتي أدت إلى حذف القمر الفرنسي "يوتيلسات" لقناة "الثورة" بالكامل.
ركز يوسف حسين في "جو شو" على نشر الأساطير وأوهام الانتصار، كإشاعة وفاة عبد الفتاح السيسي ونحوها، وهي مجرّد نموذج من بث "الأخبار الكاذبة"، الجريمة الإعلامية البديهية. وليس الحديث هنا عن إجرام هذا الخطاب سياسياً في تبديد أرواح من صدّقوه وحيواتهم، ولكن لدى الجناة أنفسهم جرائم إعلامية أخرى.
محمد الجوادي، بائع أوهام نهاية السيسي، هو أيضاً من باع أوهاما إقليمية، كروايته، أن الملك سلمان لمّا تولّى حكم السعودية، أجهش بالبكاء، وقال "ظلمنا مرسي" وكرّرها ثلاثاً. ولكن الأهم أن من يلقب نفسه "أبو التاريخ" هو أحد آباء التحريض الطائفي. في العام 2018، بعد الهجوم الإرهابي على كنيسة حلوان، كتب مؤكداً أن لدى الكنائس المصرية "في سراديب الأسلحة عتادا حربيا يفوق عتاد المنطقة المركزية والجيش الثاني معا، وفي أقبية الذهب رصيدا يفوق ثلاثة أضعاف رصيد البنك المركزي، وفي خزائن الدولارات احتياطيا يبلغ ضعفي احتياطي الدولة".
وفي السياق نفسه، قرّر الشيخ سلامة عبد القوي، في برنامج آخر، أن يخصص وقته لعرض مقاطع من التوراة والإنجيل، ليكشف عن "منبع الإرهاب الحقيقي"، على حد قوله، وليس هذا عجيبا بالطبع على صاحب صيحة "انتهى زمن السلمية"، بينما هو في إسطنبول، وليس في مقدمة صفوف المجاهدين.
أما معتز مطر فقد أبدع في إحدى حلقاته بعرض مقاطع من العهد القديم، ليقارنها بألفاظ السيسي، معتبراً أن لديهم ثلاث كلمات لا يقولها إلا اليهود، وجديدة على القاموس العربي، ثم يتساءل عن علاقة ذلك بما تردّد أن والدة السيسي يهودية!
هذا سردٌ بالغ الاختصار لنماذج من جرائم إعلامية، كانت ستلقى عقابا رادعا في أي بلد يطبق معايير مهنية، وقد تمت مقاضاة وسجن صحافيين وسياسيين أوروبيين بالفعل، بسبب تغريدات لا أكثر، تم اعتبارها خطاباً للكراهية. وفي زيارة إعلامية إلى الدنمارك، حدثتني محرّرة إحدى الصحف هناك عن مدى صرامة تلك القوانين، إلى حد تطبيقها على رسام هولندي، رسم صورة لأفارقة معلقين على مشانق، فحُكم عليه بالسجن ستة أشهر.
لا حاجة هنا للتأكيد على إدانة جرائم الإعلام الموالي في مصر. شهدنا تحريضاً وقت مذبحة ميدان رابعة العدوية وما تلاها، وشهدنا دعوة غير مسبوقة من مذيع يدعو إلى قتل إعلاميي الإخوان المسلمين، وشهدنا شلالات من الأخبار الكاذبة ما زالت تتدفق، ولكن هل يمكن إقناع الطرف المقابل شعبه بأنه هو البديل إذا تساوى في الممارسات نفسها؟
وما ينسحب على الإعلام ينسحب على السياسة، وهذا حديث يطول ويؤلم، ولكن بدونه لا خروج من التيه المصري الحالي.