لن يدخل الشباب العربي بيت الطاعة

لن يدخل الشباب العربي بيت الطاعة

16 ديسمبر 2017
+ الخط -
سبع سنوات إلا نيّفا مضت منذ الصرخة التي أطلقها محمد البوعزيزي في تونس، معلنا من دون قصد انطلاق شرارة الربيع العربي.
وفي الذكرى السابعة لربيع العرب، يبدو واضحا أن الثورات المضادّة لم تنجح في الإجهاز على حلم الشباب العربي، وتطلعه نحو الحرية، على الرغم من القسوة التي انقضّت بها عليه، ولؤم من استعملتهم في سبيل محاربته، فروح الثورة مازالت كامنة في النفوس، على الرغم من الانطفاء المؤقت لوهج الميادين، ذلك لأنها سرت في عروق الشبان والشابات، ومثلت تعبيرا صادقا وحقيقيا عن مطالبهم ونظرتهم إلى المستقبل. سبع سنوات مضت، وحلم التغيير مازال قائما، لأنه مشروعٌ أصيلٌ فيما اندثرت مشاريع واهية، تسللت في لحظة فوضى وارتباك. اندحرت جماعات "داعش" وتهاوى مشروعها الظلامي، غير مأسوف عليه، كما تراجعت وانكفأت تياراتٌ أخرى، انتهازية حاولت اختطاف الربيع، وأيضا، وبالأهمية نفسها، لما سبق، فقد فضح الربيع "النخب الديناصورية" التي انكشف زيف مناداتها بالديمقراطية، عندما حاربوا نتائجها، نكاية بخصومهم السياسيين، وجاءوا بالعسكر. وحدهم شباب الربيع بقوا هم الأصدق، والأكثر حكمة، وتضحية وإقدام. سبع سنوات "عجاف" ربما، لكن طريق الحرية والتغيير لم يكن يوما ممهدا بالزهور، فصراع التغيير دوما ما واجهه الطغاة بالدم، والبطش والتآمر، في النهاية يرحلون هم ويخلّد الثوار.
الأهم في قراءة "سبعية الربيع" هو تأكد حتمية التغيير، فعلى الرغم من تحالف الثورة المضادة الذي نجح منذ 2013 في هجمته المضادة، بإسقاط الثورة المصرية، والقضاء على نظام ما بعد ثورة يناير، إلا أنه فشل في عسكرة المجتمع، على الرغم من تطويق المؤسسة العسكرية لكل مناحي الحياة، فمازالت الأصوات الرافضة للاستبداد قائمةً، وفي ازدياد، بعد انكشاف عجز النظام العسكري، وإخفاقاته متعدّدة الأوجه، اقتصاديا بالغلاء وتعويم العملة، وفرض مزيد من
الضرائب، وصولا إلى بيع أراضي الدولة المصرية لدولةٍ أخرى، الأمر الذي تعّرفه الدساتير والقوانين المحلية والدولية "بالخيانة الوطنية"، وسط تنديد وغليان شعبي واضح، فضلا عن تكميم الأفواه، والاستثمار في بناء سجونٍ جديدة، بملايين الدولارات، بدلا من ضخها لإعانة الفقراء وعلاجهم، وهم الذين قال العسكر أنهم خرجوا ليحنّوا عليهم، ويعوّضوهم "حنية"، تخفف من هول ما قاسوه من نظام ما بعد ثورة يناير. 
بدأت هذه السطور بالمثال المصري، لأنه مهد الثورات المضادّة، كما أنه الأكثر تعبيرا عن حجم الأزمات التي تسبب بها لمواطنيه قبل الجوار، فحتى وقت كتابة هذه السطور، كانت أزمة جديدة تتفجر لديه، متمثلة في انهيار مفاوضات سد النهضة، وتعريض الأمن القومي المصري لخطر، بل لكارثة مرتقبة. ويكشف نظام ما بعد ثورة يناير زيف الشعارات التي باعها العسكر للمصريين والعالم العربي، وكيف انتهى به المطاف إلى التحوّل إلى حصّالة مالٍ، تعمل وفقا للزر الذي يدخلها. في المقابل، وفي الحالة المصرية ذاتها، برزت أصوات مدنية جديدة، ترفض هذا الواقع، وتنقده علنا، مثل نموذج المحامي المصري خالد علي، وتيار آخر شبابي واسع، كما برز وعي شباب "الإخوان المسلمين"، عقب أربع سنوات عجاف، قاسوا فيها المرارة، لكنها علمتهم جيدا قواعد اللعبة السياسية. ووفقا لتصريحات كثيرين منهم، يبدو واضحا أنهم، ورفاقهم من التيارات المدنية الأخرى، عقدوا العزم على الاستعداد، موحدين لجولة ثورية جديدة، يعتقدون أن مؤشراتها تقترب.
ومن الساحة المصرية إلى اليمنية، تكشف تطورات السنوات الثلاث الأخيرة هناك حجم الكارثة التي تسببت بها قوى الثورة المضادّة ، فقد بات واضحا أن من عبث باليمن هو نفسه معسكر الثورة المضادّة الذي انطلقت حربه على الربيع من القاهرة، فمن تمهيد الأرضية للحوثيين لإتمام انقلابهم، وتآمره قبلها على حكومة الثورة، استيقظ هذا المعسكر فجأة على الكارثة التي حلت هناك، عقب سيطرة الحوثيين على الدولة التي سلموها لهم نكاية بالثورة، ليعالجوها بكارثةٍ أخطر، تمثلت في شن حربٍ مدمرة، أتت على الأرض والإنسان، وأهم إنجازاتها اليوم مليون مصاب بالكوليرا ومجاعة، فيما الوحيد الذي قرّر التحالف العربي بقيادة السعودية علاجه هو الرئيس المخلوع المقتول علي عبد الله صالح، حيث أمر التحالف قواته بفتح الأجواء لطائرة خاصة وفريق طبي خاص لعلاجه، فهل يستطيع عاقل أن يفسر هذا التوجه، إلا بأنه العبث المدمر، والذي يصحّ معه القول أنه المتسبب في حالة الفوضى والدمار التي تعم المنطقة، وليس شباب الثورة كما يروّج إعلام الثورات المضادة، وبات هنا من الواضح، عقب هذه الحقائق، مدى حرص شباب الثورة ووطنيتهم، ومدى انتهازية القوى المغايرة وعبثها.
وفي ليبيا، أخفقت محاولات تحالف الثورة المضادّة في إعادة إنتاج نظام القذافي الذي ثار ضده الليبيون، وتهاوت أحلام خليفة حفتر الذي عد نفسه وريثا شرعيا للعقيد الراحل، في العودة على رأس دبابة "سيساوية" ما يعكس من جهة التعثر الذي يعاني منه هذا المحور. ومن جهة أخرى، صلابة مقاومة الطرف المقابل لمخططاته. ومن المفارقات التي يمكن أيضا الوقوف عليها في إطار هذه النظرة العامة لمآلات الربيع هي المقارنة بين الشخوص المتصارعة فيه،
في كل من معسكر الثورة والثورة المضادّة، فقادة الثورات المضادة "مشيران"، عسكريان فيما ثورة الشباب مدنية، وكذلك فهما (حفتر والسيسي) متهمان بجرائم حرب، فيما شباب الميادين أكدوا، منذ اليوم الأول، أن مشروعهم سلمي، ووقفوا ضد إراقة الدماء، كما أن استقلالية شباب الثورة يقابلها ارتهان معسكر الثورات المضادّة للخارج وأجنداته.
ولعل الأزمة الخليجية الراهنة هي إحدى الارتدادات التي يمكن أن تُضاف إلى قائمة الإخفاقات التي أحدثتها الثورات المضادّة، فتعثر ذلك المشروع دفع بعض دوله إلى نقل الأزمة إلى داخل بيتها، وانتهت بقصدٍ، أو من دون قصد، إلى خلخلة ناديها الخاص، بضرب استقرار مجلس التعاون الخليجي، المنظمة الوحيدة التي بقيت متماسكةً، في ظل تهاوي كل المظلات العربية الأخرى وتفكّكها، ما يجعل المرء يطرح تساؤلا منطقيا عن ماهية المشروع الذي تحمله تلك الدول التي أخذت على عاتقها مسؤولية إجهاض مخرجات الربيع العربي، وحقيقة أهدافه.
التجارب التاريخية، وليس اللحظة الراهنة فقط، والمؤشرات كلها تؤكد حتمية انتصار شباب الثورة، ومحور التغيير، ليس لأن مطالبهم عادلة فقط، بل لأنها المخرج الوحيد لهذه المنطقة البائسة التي لا تريد حروبا جديدة، ولا تحشيدا طائفيا، وإنما تريد ديمقراطية وتنمية وشبابا يقود الدفة نحو بناء الأوطان، والمشاركة في صناعة القرار، والتنمية والتشغيل، والقضاء على الفقر والجهل والفساد، ولا يمكن لهذا كله أن يتحقق في ظل أنظمة الاستبداد. وقد خلص عبد الرحمن الكواكبي، منذ عقود، إلى أن "الاستبداد هو أصل الفساد"، كما يبدو أنه نجح مبكّرا في توصيف حال منطقتنا اليوم، عندما قال "الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مُطيع".
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.