Skip to main content
لن أفعل الكثير
ميزر كمال
صادق كويش الفراجي / العراق

لن أفعل الكثير
سأرجع كما يرجع الخاسرون إلى أرض المعركة
لحملِ جثة انتصارهم، وأشلاء حماستهم العالية
سأحمل أحلامي الميتة
وأدفنها في ركام المدينة
وأعود طفلاً.

سألعبُ الغُمَّيضة مع علاء خليفة الذي قُتِلَ سنة 2006
وعمر حميد الذي ذبحته شظايا المركبة الملغمة في السنة ذاتها
وحسين علي الذي ابتلعه الفرات
ومهند شاكر النازح إلى بغداد تارةً، وإلى أربيل تارةً أخرى.
سأُدخّن مع الصبية ذاتهم أعواد العنب في شتاء المدينة الجاف..
و"نتعاركُ" في محيطِ دائرة "الطنَّبِ" لأنَّ أحدنا خسر "دَعابُلَهُ " وسُرِقَ "صُولُهُ " عندما أخطأ التصويب.

سأُصغي إلى رشيد -الذي قتله أفراد "الصحوة" بتهمة اغتيال "محمد خميس أبو ريشة"- وهو يقول: "ذلك الرجل الذي لا تظهر سوى يده في صورة جماعية مع "الريّس" صدام حسين هو أنا.. وأنا من لحَّنَ أغنية قارئة الفنجان لعبد الحليم، وأنا من مارس الحُبَّ مع تلك الممثلة، كما أنَّ رشدي أباظة ومحمود ياسين، ونور الشريف، من أصولٍ دليمية..". لن أصرخ بوجهه هذه المرة: كفى كذباً يا رشيد!. سأظلَّ أستمع إليه في ليالي رمضان المباركات حتى وإن فاتني السحور وصلاة الفجر في جامع الفردوس.

سأُعيد بناء الجسر الخشبي الذي أقمته على قناة المياه الآسنة أمام مدرسة الأبرار، ولن أهرب حين أرى الأستاذ ناجي "أبو رشا" قادماً من بيته بعد انتهاء الدوام، ليفتح دكّانه في أسواق مجيد.

سأُسابق ظلي حافياً على شارع السيراميك، حتى أسبقه، أو يسبقني، أو نصطدم بدبابة محترقة.
وفي الأعراس، سأذهب بنيّة الرقص مع "البريكية"، سأرقص دون أن أكترث لغضب أبي، وعقوبة الأستاذ مهند غداً لأنَّني لم أحفظ محاورة العَلَمِ باللغة الانكليزية.

وفي الصباح الأول من رمضان
سأقف في رأس شارعنا لأقول لجارتنا المسيحية وهي ذاهبة إلى دوامها في مصرف الرافدين:
اللهم اجعلها في عيني بقرة!
لن أرتبك هذه المرة حين تغضب، ولن أخافَ حين تردُّ عليَّ: إنتَ البقرة! فتمضي هي إلى المصرف، وأعود أنا إلى البيت وقد أقمتُ سُنَّةً، وأصبتُ أجراً مضاعفاً، كما علَّمنا "شيخٌ" في المسجد!

سأَتَقممُ مع أبناء عفيفة في كلِّ مزابل الحيّ، وأعود برائحتي الكريهة إلى البيت، وجيوبي ممتلئة بعُلَبِ "الشخّاط" الفارغة.
ولن أبكي حين تُنظّفني أُمّي كما تنظفُ "باچةً"

وسأسرق الرمّان من شجرة جارنا اللعين.
وأشتمُ الأستاذة عواطف في نفسي، كلَّما صَرَختْ بصوتها الحاد على التلاميذ، تطلب منهم الدخول إلى الصفوف.
سأتسوَّر بالطريقة ذاتها "بَيْتونَةَ " بيتنا العالية، وأقفُ ناظراً إلى جسد المدينة المشوَّه.

لن أفعل الكثير
سأحمل أحلامي الميتة
وأدفنها في ركام المدينة
وأعود طفلاً.


هوامش
الطنَّب: دائرة بقطر متر نرسمها على الأرض ونضع في مركزها كرات الزجاج الصغيرة.
دعابُل: كرات الزجاج الصغيرة وهي لعبة مشهورة في العراق.
الصُول: الكرة التي يضرب بها اللاعب بقية الكرات وتكون أكبر قليلاً.
البريكية: شباب الأحياء الشعبية لهم شعرٌ طويلٌ من الخلف يشبه الذيل، ويرتدون قمصاناً ملونةً وعريضة.
لباچة: رأس الشاة وأحشاؤها، وهي أكلة مشهورة في العراق.
بيتونة: غرفة السُلَّم في البيوت العراقية ومخرجه على سطح المنزل.


* شاعر من العراق

المزيد في ثقافة