لندن وطهران: عدوّ عدوّي... صديقي

لندن وطهران: عدوّ عدوّي... صديقي

20 يونيو 2014
السفارة الإيرانية في لندن (روبرت ستوهارد/Getty)
+ الخط -


 
أثار القرار البريطانيّ الأخير القاضي بالتطبيع التدريجيّ للعلاقات مع طهران، جدلاً بين مناصري ومعارضي هذه السياسة، التي جاءت في ظلّ سيطرة فصائل مسلحة على مناطق شاسعة من العراق، وخصوصاً أن الجدل بشأن مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003، لا يزال مفتوحاً.

يرى رافضو التطبيع مع إيران أن رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، أصبح كـ"الببغاء"، يردّد تصريحات رئيس الوزراء السابق، طوني بلير، التي يحذّر فيها من خطر الأزمة العراقية على بريطانيا، متوهّماً أن "إيران ممكن أن تؤدي دوراً إيجابياً في العراق".

كما يتنقد هؤلاء وزير الخارجية، وليم هيغ، لأنه في الأمس القريب كان يردّد نظرية واشنطن بأن إيران هي "محور الشر"، ملوّحاً بمعاقبتها، ومهدّداً بأن كل الخيارات "مطروحة على الطاولة" في التعامل معها. كما ينتقد بعضهم ما وصفوه بـ"التغير العجيب" في موقف الحكومة البريطانية تجاه العراق، إذ كيف، في غضون أسبوع واحد، تحوّل رئيس الوزارء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، إلى "مُخرّب العراق"؟ وكيف تحوّل عناصر "مجالس الصحوات" العربية السنيّة في العراق، التي تشكلت للتعجيل بمغادرة القوات الأميركية والبريطانية من العراق، إلى "إرهابيين وداعمين لمغتصبي أراضيهم" بما أنهم جزء من الفصائل المسلحة التي تقاتل القوات النظامية اليوم.

ويرى بعض المراقبين أن سياسة التطبيع البريطاني مع إيران تستند الى سياسة "عدوّ عدوّي صديقي"، بمعنى أن بريطانيا تعتبر المقاتلين السنّة المتشددين في صفوف الفصائل المسلحة العراقية عدوَّها الأول، وهؤلاء يشكلون في الوقت نفسه العدوَّ الرئيس لإيران. وبحسب هؤلاء المراقبين، فإنّ السياسيين الذين يطبّقون هذا المثال الذرائعيّ، إنما يلقدون الأميركيين في سياستهم تجاه أفغانستان عندما دعموا حركة "طالبان" في سعيهم لطرد السوفييت من أفغانستان في 1989، ثم عادوا وطردوا "طالبان" من أفغانستان في العام 2001.

ويحذّر كثيرون من أن التوجّه إلى التقارب مع إيران على أساس "عدو عدوي صديقي" سوف يشجّع طهران على تصعيد تدخلاتها في العراق، وخصوصاً أن الجمهورية الإسلامية تدرس إرسال قوات عسكرية لمساعدة الحكومة في بغداد. ولاقى الدعمُ البريطاني للقرار الأميركي بترجيح استخدام ضربات جوية من دون طيار في العراق، أيضاً بعض الانتقادات، وخصوصاً لأن هذه الطائرات في الكثير من الأحيان، تخطئ أهدافها، وقد تتسبب بسقوط ضحايا كثر من المدنيين.

من جهة أخرى، يرى مناصرو جهود التطبيع مع إيران، أن محاولات تحسين العلاقات بدأت السنة الماضية، بُعيد تسلّم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، رئاسة البلاد، ودعوته إلى تحسين علاقة إيران مع دول العالم، ودعوته إلى التفاوض بشأن برنامج إيران النووي المثير للجدل. ويحمّل هؤلاء سياسات الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، مسؤولية تدهور العلاقة بين لندن وطهران.

وكانت ذروة تدهور العلاقة قد حصلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، عندما هاجم متشدّدون السفارة البريطانية في طهران وسرقوا محتوياتها، عقب دعم لندن فرض عقوبات عليها بسبب نشاطها النووي. ومع ذلك، لم تكن العلاقة قبل ذلك في وضع جيد، ففي مارس/آذار 2007، احتجزت السلطات الإيرانية 15 عنصراً من البحرية الملكية البريطانية بحجة دخولهم المياهَ الإيرانية بشكل غير شرعي. واعتُبر إرسال لندن قائماً بالأعمال البريطانية إلى طهران، السنة الماضية، خطوة أولية لإذابة الجليد بين البلدين، في مسلسل أوصل إلى اتفاق الطرفين على محاربة الجماعات المسلحة التي تسيطر على بعض المناطق في العراق اليوم.

ويتّضح من خلال تصريحات الساسة البريطانيين، الذين يشجعون عودة الدفء إلى العلاقة بين لندن وطهران، أن قلقهم يأتي من الدور الإيراني السلبي في الأزمة السورية، وذلك من خلال دعمها للميليشيات التي تحارب إلى جانب النظام. ولا يرى هؤلاء دوراً إيرانياً كبيراً في العراق يشكل تهديداً حقيقياً، بل على العكس، يعتبرون أن لإيران "القدرة على تأدية دور إيجابي في العراق والمنطقة بصورة عامة".

ويبدو أن الحكومة البريطانية تأمل من سياسة التطبيع مع إيران، أن تضغط الأخيرة على المالكي وحلفائه، ليشكلوا حكومة وحدة وطنية. وتؤكد حكومة كاميرون على أن قرار التطبيع هذا، لم يُتَّخَذ على خلفية التدهور الأمني وسيطرة المسلحين على مناطق شاسعة في العراق، إنما بسبب "تغيّر مزاج طهران باتجاه الانفتاح".

وفي جلسة البرلمان البريطاني، التي عُقدت قبل يومين، توحّدت جميع الأحزاب البريطانية على معارضة أي تدخل للمملكة في العراق، تماماً مثلما فعلت إزاء مشروع الضربات الجوية ضد النظام السوري في أغسطس/آب الماضي، عقب مجزرة الغوطة الكيماوية. ولوحظ من تصريحات كاميرون، أنه غير متحمّس إزاء دعوة رئيس الوزراء السابق، طوني بلير، لضرب المسلحين بالطائرات. وبهذا، يبقى الحل غير العسكري هو الخيار الوحيد أمام الساسة البريطانيين لحل الأزمة في العراق، وبات تطبيع العلاقات مع طهران الحل الأمثل في نظرهم.

المساهمون