لم ندفع أكثر مما دفعه الآخرون

15 مارس 2015
أربع سنوات مرت على الثورة (فرانس برس)
+ الخط -

"بعد مرور أربع سنوات على الثورة المجبولة بالدم، ما زلت أحلم بسورية الحرية والكرامة. وأنا على قناعة أن حلمي سيتحقق يوماً ما، مهما طال الزمن". هذا ما قاله أبو خالد. ما زال والدُ الشهيد والمعتقلة والمهجّرين الثلاثة متفائلاً. ليس وحيداً. يؤمنُ آلاف السوريّين المليئة قلوبهم بالمآسي بأن حلمهم سيتحقق.

أبو خالد أستاذ متقاعد (69 عاماً) من السويداء، وأب لخمسة أبناء اغتال النظام أحدهم نهاية عام 2012. يقول لـ "العربي الجديد": "خلال تربيتي لأبنائي، أخبرتهم أن البلاد هي أغلى ما نملك. الوطن يسكننا ونسكنه. قد نغادره أحياناً، لكنه لا يغادرنا مطلقاً". يتابع بغصّة: "كنت على قناعة بأنه سيأتي اليوم الذي ينفجر فيه بركان الثورة في سورية، وكنت أنتظره بفارغ الصبر. منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة في تونس، أيقنت أننا سنتذوق طعم الحرية قريباً. والشعوب مهما طال سكوتها ستصرخ يوماً ما. وهذا ما حدث بالفعل. كنتُ سعيداً لدرجة لا يمكن وصفها. كنت متأكداً أن شعبنا يستحق الحياة".

يتابع: "وقفتُ وعائلتي مع الثورة منذ بدايتها. تحمّلنا خلال السنة الأولى كل أشكال الضغط".
استُدعي أبو خالد إلى أكثر من فرع أمني، وخضع للتحقيق مراراً، عدا عن التهديدات. مع ذلك، لم يتراجع عن موقفه. وفي نهاية عام 2012، اغتال الأمن الجوي ابنه خالد على خلفية مشاركته بالتظاهرات في السويداء، وعمله في مجال الإغاثة وإيصال المواد الطبية إلى درعا، ومساعدته بعض العسكريين المنشقين على الوصول إلى المناطق الحدودية بهدف الانتقال إلى الأردن.

كان لاستشهاد خالد، الشاب المدني ذي السمعة الطيبة، وقع الزلزال على محافظة السويداء. يقول: "لم يحمل ابني السلاح يوماً ولم يعتدِ على أحد. عمل فقط بما كان يؤمن به، ودفع حياته ثمناً لقناعاته وقناعاتي. لا كلام يمكنه أن يصف إحساسي بفقدان خالد. في الوقت نفسه، لم ندفع أكثر مما دفعه الآخرون. كل ما أستطيع فعله الآن هو حمل رسالته ومحاولة إيصالها بكل قوة، بالإضافة إلى محاولة حماية ما تبقى من عائلتي. لم يزدني قتل خالد إلا قناعة بأننا على حق".

لم يكتف النظام السوري باغتيال خالد، بل تابع ضغطه على العائلة من خلال اعتقال إحدى شقيقاته العاملة في مجال الإغاثة، "بهدف إذلالي وردعي عن مواصلة نشاطي الثوري". بعد هذه الحادثة، شجّع ابنته الثانية على مغادرة سورية إلى لبنان حيث يقيم ابنه الثاني. بعدها، رحل ابنه الثالث بعدما طُلب للخدمة الإلزامية. ثم حاول الأبناء الثلاثة إقناع والدهم بالمغادرة خوفاً عليه من الملاحقة الأمنية، لكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً وأصر على البقاء ومواصلة نشاطه في الثورة التي ما زال مؤمناً بوجودها.

يواصل أبو خالد نشاطه المدني الذي "سيتوقف لو غادرنا نحن المنادين به". يسأل: "لِمن سنترك الثورة؟ لقد أُجبر أولادي على المغادرة. لكنهم يحاولون دعمها من الخارج. هذا قرارهم الشخصي وقد أُجبرت على القبول به وتحمل غصّة أنني قد لا أراهم مجدداً. كذلك، أنا محروم من رؤية ابنتي المعتقلة التي لا أعرف عنها شيئاً".

أم محمد المصري (58 عاماً) أيضاً وقفت إلى جانب أبنائها في توقهم للحرية. هي أرملة من جديدة عرطوز في ريف دمشق. أعطت بيتها للثوار، وكانت تساعدهم في نقل المؤن والأسلحة إلى المناطق التي لا يستطيع الرجال الدخول إليها. اعتقل ابنها عبد الرحمن (28 عاماً) في فرع الأمن العسكري في دمشق في شباط عام 2013، ليعود إليها بعد ثلاثة أشهر شهيداً بسبب التعذيب. بعدها، اعتقل الأمن الجوي ابنها عمرو (25 عاماً) وما زال معتقلاً حتى اليوم. أما إبراهيم (35 عاماً) فقد اضطر إلى مغادرة البلاد بسبب تعرّضه للملاحقة. وبات على الأم المفجوعة هذه إعالة عائلة ابنها الشهيد. مع ذلك، ما زالت تعمل على إيصال المساعدات إلى عائلات الشهداء والمعتقلين والنازحين في بلدتها. تقول إن "الثورة لم تفشل، وسننتصر".

تضيف أم محمد: "عملت مع الثوار منذ الأيام الأولى للثورة، وسأواصل عملي ما دمت قادرة على ذلك. أخذ النظام مني أغلى ما أملك ولن أسامحه يوماً". تتابع: "حين أعادوا لي عبد الرحمن شهيداً، وكانت آثار التعذيب واضحة على جسده، ساورتني شكوك كثيرة في مدى صحة ما نقوم به، قبل أن أعود إلى ثباتي بعدما تيقنت أن أولادي لن يكونوا بأمان في ظل هذا النظام. لأجل من بقي من السوريين، يجب أن تستمر الثورة". ما زالت أم محمد ترى بريق الثورة في عيون الشباب. تقول: "سننتصر ولو بعد حين".