لم تعد الخيانة تكفي

لم تعد الخيانة تكفي

01 يوليو 2019
+ الخط -
عانى الفلسطينيون طوال تاريخ قضيتهم من لفظة الخيانة، وكانت حاضرة بقوة بتطور سياقات القضية وتأثرها بالواقع العالمي الجديد، وظلت الخيانة استعارة توصف الحقائق أحيانا، وتستخدم أحيانا لتبرير تقصير القيادات أو تسويغ تراجع الفعل المقاوم، خاصة مع تفشي التنسيق الأمني، وتورط السلطة الحالية بتغييب ثقافة المقاومة وسحبها للوراء، وتقديم أشكال أخرى من الحلول على الحل الثوري الذي يلغي أي حلول أخرى، ويكرس الاشتباك كحتمية نهائية للفعل الفلسطيني.


تمثل الخيانة بالوعي الفلسطيني حالة متطرفة من التراجع والانحطاط، والاختباء وراء الوهم، وزراعة الشك في العودة والتحرير، وتفسر دائما ما يدور من وراء الستار من صفقات واتفاقات استهدفت دائما الحق الفلسطيني، وحتى في التجاذب السياسي الراهن بين الفصيلين الأكبر على الساحة، وردت اللفظة على تنوع استعارتها بشكل واسع في الخطاب المضاد بين قيادات فتح وحماس، وكانت دائما تنتقل عموديا من الكوادر العليا إلى الأصغر، لتصبح هذه الكلمة جزءاً من الموروث اللغوي الفلسطيني، وكلام الشارع المحكي بعفوية وبساطة.

وعلى الرغم من التباس المعنى والإسقاطات المضادة للكلمة فلسطينيا، والاستخدامات السياسية لها، إلا أنها تتجلى بوضوح اليوم، وسط هذا التزاحم العربي على الفعل الخائن، هنا تختفي اللفظة ويتشكل الفعل، ولا يأبه السالكون في الدرب المشبوه بما يوصفون به فلسطينيا وعربيا حتى، وتعجز اللفظة هنا عن تفسير السلوك الرسمي العربي، خاصة في ما تطرحه الإدارة الأميركية الحالية من خطة لتصفية نهائية وسريعة لكل أعمدة القضية الفلسطينية، فهل حقاً تصلح لفظة مستهلكة كالخيانة لتوصيف الحالة الرسمية العربية التي أسقطت تماما كل القيم التي نشأ عليها الموقف العربي إزاء قضية فلسطين؟

وبالهروب إلى القواميس العربية، التي كانت دائما ملجأ للفلسطيني المحاصر من كل الاتجاهات، نرجو أن نجد ما يشبع غريزتنا تجاه المتخاذلين عن قضيتنا، الآن على مفسري اللغة وعلمائها، أن يجدو لنا المصطلحات الوافية التي تعبر عن حنقنا الشديد من هذا الوضع العربي، فالخيانة سقطت تماما على الواقع، وأصبحت كالحصار الأبدي، وغدت هذه الكلمة لعنة، فمن جهة هي تحاصرنا وتستقوي علينا، ومن جهة أخرى ما عادت تجدي لفظيا، في لغتنا الأم ما يشفع تقصير هذه الكلمة، في العربية ذخيرة لا تنفد تسقط الخيانة، قولا وفعلا، تحيا اللغة ويحيا الوطن، هكذا نريد لفظة تريق كل هذه الشتائم وتتسع لها، فالخيانة لا تكفي.
C0BA4932-E7DF-48F8-A499-8FAA0D6C1F19
عدي راغب صدقة

أدرس تخصص الصحافة والإعلام في جامعة البترا... أهتم بعديد الشؤون العربية، ولكن أولي اهتماما خاصا بالشأن الفلسطيني.