لمّ الشمل... فزّاعة اليمين الفرنسي

لمّ الشمل... فزّاعة اليمين الفرنسي

25 سبتمبر 2018
في مرسيليا (فردريك سلطان/ Getty)
+ الخط -
لمّ الشمل، المعروف بـ"التجمع العائلي" إجراء يتيح لمواطن أجنبي مقيم في فرنسا أن يجلب عائلته إليه، مع توفّر جملة من الشروط. لكنّ هذا الإجراء بات فزاعة انتخابية يلوّح بها اليمين

ليس اليمين المتطرف وحده من يرفض قضية "التجمع العائلي" ويُشهرها كفزاعة في كلّ استحقاق انتخابي، بل إنّ تيارات مهمة في اليمين التقليدي ترفضها هي الأخرى، من بينها حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، "الجمهوريون"، كذلك يتخذ منها حزب "التجمع الوطني" (الجبهة الوطنية سابقاً) رمزاً لمهاجمة ما يسميه "احتلال" فرنسا من طرف الأجانب.

وإذا كانت هذه القضية تثير غضب وانتقاد اليمين الفرنسي الذي لا يرغب في استقبال البلاد مهاجرين جدداً، إلاّ أنّ كثيراً ممّا يقال عنها غير صحيح. فإذا كانت صحافة اليمين تتحدث عن 100 ألف شخص تستقبلهم فرنسا، سنوياً، ضمن "التجمع العائلي"، إلا أنّ الحقيقة تقول غير ذلك، ففرنسا لم تستقبل، مثلاً، وفق إحصاءات وزارة الداخلية لعام 2016، سوى 11.005 أشخاص. وشملت عملية أخرى، وهي "عائلات الفرنسيين" 49.559 شخصاً، وهي التي ترتبط بفرنسيين، رجالاً ونساء، يقررون إحضار عائلاتهم من بلدان مختلفة.




من ينظر إلى الإجراءات يظنها سهلة، لكنّها ليست كذلك على الإطلاق، فقد بات لمّ شمل العائلة صعباً للغاية، خصوصاً في أثناء ولاية ساركوزي الرئاسية وما بعدها، ويحتاج إلى كثير من الصبر والمعاناة والصدام في الإدارة الفرنسية المعروفة ببطئها، وفق تقارير دولية.

تقول ليلى الناجي لـ"العربي الجديد"، وهي التي وصلت أخيراً إلى فرنسا، بعد مرور سنتين تقريباً على إيداع ملفها لدى"المكتب الوطني للهجرة والاندماج" المكلف بهذه القضية، إنّه "في كلّ شرط من الشروط التي تضعها الإدارة الفرنسية ثمّة فخ يصعب تجاوزه". من بين الشروط امتلاك طالب (أو طالبة) "التجمع العائلي" عملاً مستقراً يكفي لإعالة العائلة المستقدَمة، منعاً للجوئها إلى المساعدات الاجتماعية.

كذلك، لا بدّ من توفّر سكن لائق لدى طالب "التجمع العائلي"، من شروطه أن تكون مساحته 22 متراً مربعاً على أقل تقدير، مع نظام تهوية مناسب إذا كان وحده. وبالنسبة إلى رجل وامرأة وولد واحد، يجب توفّر مساحة 33 متراً مربعاً، مع تخصيص غرفة خاصة للولد في هذه الحالة.

محمد الراوي، على سبيل المثال، جزائري رُفضَ طلبه لاستقبال زوجته وابنه، على الرغم من سكنه في منزل تتجاوز مساحته 36 متراً مربعاً، لعدم تضمنه غرفة خاصة للولد.

تجدر الإشارة إلى حضور مفتش خاص إلى البيت وهو مفوّض من "المكتب الوطني للهجرة والاندماج" مهمته التأكد من مطابقة السكن تلك الشروط، والتثبت من مزاولة طالب "التجمع العائلي" عملاً مستقراً براتب جيد لا يستدعي تلقيه مساعدات اجتماعية.

ويتوجب على طالب "التجمع العائلي" أن يرسل عن طريق البريد ملفاً إلى "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، لينتظر بعدها تلقّي شهادة إيداع الملف، قبولاً أو رفضاً، وإلا طلب شواهد إضافية. وصول شهادة إيداع الملف قد يستوجب انتظار شهر أو سنة كاملة، بحسب كلّ مدينة، وتراكم طلبات المهاجرين. وحين تصل الشهادة، يجب انتظار ستة أشهر على أقل تقدير، وحتى سنتين، كما هي الحال في منطقة بوبيني، في الضاحية الباريسية، بسبب سكن نسبة عالية من المهاجرين فيها تصل إلى 30 في المائة.

ينتقل الملف، بعد قبول الإيداع، وبعد تقرير المفتش الذي يزور بيت الشخص الراغب في إحضار عائلته، إلى ولاية (قيادة) الأمن لتقرر فيه، بعد تحريات وأبحاث، قد تستغرق ما بين شهر وسنة، ثم يقرر والي الأمن منح الموافقة وإرسال الملف إلى القنصلية الفرنسية في بلد طالب "التجمع العائلي" أو رفضها لعدم اكتمال الشروط. هنا تبدأ معاناة جديدة، وهي معاناة تختلف بين هذا البلد أو ذاك. فمثلاً، يعتبر الأمر سهلاً في المغرب، بسبب عمل فرع "المكتب الوطني للهجرة والاندماج" الفرنسي فيها، وهو ما يعجل الحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا، التي تستغرق نحو شهر. أما في ما يتعلق بالجزائر، التي لا فرع لـ"المكتب الوطني للهجرة والاندماج" فيها، فتقول مريم العايدي لـ"العربي الجديد": "سلمت القنصلية الفرنسية جميع الوثائق المطلوبة، ومن بينها موافقة ولاية الأمن، وانتظرت ثلاثة أشهر، فلم أتلقّ أيّ رد على الرغم من تواصلي معها في مراسلات عدّة". تتابع: "لم أحصل على الموافقة إلا بعد أربعة أشهر". وتكشف العايدي عن حالات انتظار تجاوزت خمسة أشهر، وتتحدث عن تظاهرات عدّة نظمت أمام القنصليات الفرنسية في الجزائر احتجاجاً على بطء الإجراءات.

يتوجب على المواطنين الآتين من بلدان تعمل فيها فروع "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، إجراء فحص طبي صارم للتأكد من خلوّهم من أي مرض معدٍ، وهو شرط رئيس للحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا، أمّا المواطنون الفرنسيون العائدون من الجزائر فيجرون الفحص الطبي بعد وصولهم إلى فرنسا.




هكذا يجد المواطنون الأجانب، من عرب وأفارقة وغيرهم، أنفسهم مع ذويهم وأهاليهم بعد مسار متعب. ولا ينتهي الأمر، هنا، فطريق الاندماج طويل و"احنا لسّه في أول السكة" مثلما يقول محمد الطنطاوي، المصري العجوز، الذي نجح في استقدام زوجته بعد سبع سنوات، لكنه لن يستطيع إحضار أبنائه لأنّ أصغرهم تجاوز الثامنة عشرة. "نضجوا في غفلة منا"، يقول بمرارة، لأنّه لم يستطع فعل شيء لهم.

المساهمون