لماذا يكره الجمهور أفلام رعب أحبّها النقّاد؟

لماذا يكره الجمهور أفلام رعب أحبّها النقّاد؟

19 سبتمبر 2018
من "مكان هادئ" لجون كْراسينسكي (فيسبوك)
+ الخط -
يُعتبر Rotten Tomatoes أشهر المواقع السينمائية التي تعبّر عن آراء النقاد بخصوص الأفلام. يضع نسبة مئوية لكلّ فيلم بناء على المراجعات الإيجابية والسلبية للنقّاد إزاءه. هناك خاصية أقلّ شهرة: "تقييم الجمهور"، إذْ يُعتَمد "متوسط/ مُعدَّل" ما بالنسبة إلى آراء المُشاهدين المتابعين له. 
في الأعوام الأخيرة، باتت هناك ظاهرة متكرّرة: أفلام الرعب الأكثر تقديرًا من النقّاد، الذين يعتبرونها إضافة إلى هذا النوع السينمائي، لكنها تنال تقييمًا متواضعًا جدًا من الجمهور، إلى درجة تصنيفها كـ"أفلامٍ سيئة".

بداية، هناك إرث طويل من أفلام الرعب الأميركية منخفضة القيمة والكلفة، تحديدًا منذ نهاية السبعينيات الفائتة لغاية اليوم. سلاسل طويلة من الوحوش والمسوخ والقتلة المتسلسلين، مع تزايد دائم في نسبة العنف، إلى درجة وجود أفلامٍ، مثل سلسلة Saw، استمرّت فقط لاعتمادها على السادية وابتكار أفكار الموت في كلّ جزء. في الوقت نفسه، تحوّلت أفلام الرعب ـ التي كانت في مرحلة سابقة فئة شديدة الفنية ومُغرية لمخرجين كبار أمثال ألفرد هيتشكوك (Psycho، 1960) ورومان بولانسكي (Rosemary's Baby، 1967) وستانلي كوبريك (The Shining، 1980) وغيرهم ـ إلى خدع رخيصة وJump Scares (الصورة المفاجئة والصوت العالي المُفْزع)، مع نهاية مريحة غالبًا، تُفسّر كلّ شيء بشكلٍ واضح، مع انتصار البطل/الأسرة التي ينحاز إليهما المُشاهد.

هذا الإرث خلق توقّعات من المُشاهدين لأفلام الرعب، ولما ينتظرونه منها حين يذهبون إلى صالات السينما لمُشاهدتها. لم يعد هناك تقديرٌ كبيرٌ لفكرة "الرعب النفسي"، بمعنى الشعور بالتوتر طوال وقت المُشاهدة، لأن ما يحدث ضاغط فعليًا على الأعصاب، بدلاً من تفريغ هذا التوتر في قفزات مُرعبة متتالية. لذا، عندما يُنجز فيلمٌ لا يحاكي عناصر الرعب الصريح والتفسير الواضح للأحداث، تقع الفجوة بين النقّاد والجمهور.



فيلم "وراثي" (Heredity، 2018) لآري آستر مثلٌ على ذلك: نال إجماعًا نقديًا بنسبة 89 بالمئة على الموقع، مقابل 59 بالمئة فقط للجمهور. سبب ذلك أن إيقاعه بطيء وبناءه يتناول العلاقات القائمة بين أفراد الأسرة. مع تقدّم مساره الدرامي، لا تُفسّر أحداثه بشكلٍ كامل، وتُترك مساحة كبيرة للتأويل والغموض في نهايته. في الوقت نفسه، يصطدم بالفكرة السائدة في هذا النوع: انتصار الأسرة، جاعلاً من المحنة الشيطانية التي تمرّ عليها وسيلة للمّ شملها مُجدّدًا. ما يحدث في الفيلم عكس ذلك تمامًا. هذا أمر قريب ممّا جرى مع The Witch (2016) لروبرت إيغيرس: 91 بالمئة للنقّاد و57 بالمئة للجمهور. هو أيضًا يتناول أسرة تحصل معها أحداثٌ غريبة وشيطانية، لكن في بريطانيا القرن الـ17، مع المساحة نفسها من الغموض والتأويلات المختلفة، وعدم إكمال "قوس" الحكاية بشكل كامل في النهاية.

الغموض وغياب التفسيرات ليسا سببًا وحيدًا لعدم إعجاب الجمهور. The Babadook (2014) لجينيفر كَنْت نال 98 بالمئة إجماعًا نقديًا، وهذا نادرًا ما يحصل، مقابل 72 بالمئة نسبة قبول الجمهور له. لماذا هذه الفجوة؟ لأن القصّة تبدو ظاهريًا "رعب منازل"، عن أم وابنها مُحاصَرَين مع وحش غريب يخرج من كتابٍ مُصوَّر لقتلهم. لكن الفيلم يتّخذ منحى مغايرًا تمامًا لتوقّعات الجمهور، فهو أقرب إلى عملٍ نفسي عن الفقدان ومأساة أم لا توجد علاقة حبّ بينها وبين ابنها (6 أعوام)، المولود بعد أسابيع قليلة على مقتل زوجها. يشعر المُشاهد بالإحباط، ويتساءل عن اللحظات المعتادة والمتوقّعة من الصراخ والهروب والصدام مع الوحش. الأمر نفسه حدث بعدها بشكلٍ مكرّر في It Comes At Night (2017) لتري إدوارد شولتز، المُقدَّم كـ"ديستوبيا" عن نهاية العالم بأحداثٍ ما ورائية، بينما يتناول جوهره شخصية مُصابة بجنون اضطهاد تؤدّي بها إلى خيالاتٍ وأحلام مزعجة. النتيجة؟ 88 بالمئة للنقّاد و44 بالمئة للجمهور.

هذه نماذج. هناك أفلام أخرى تعكس الفجوة القائمة بين النقّاد والجمهور، وهذا لا يعني غياب توافق بين الطرفين أحيانًا. عام 2017 مثلاً، اتفق الجانبان على It لأندرس موشياتّي وGet Out لجوردان بيل و"آنابيل/ خلق" لديفيد أف. ساندبيرغ، وأخيرًا A Quiet Place (2018) لجون كْراسينسكي.

لكن الأفلام المتّفق عليها بين الجانبين تحمل دائمًا 3 عناصر: تفسيرا نهائيا واضح للأحداث، ومَشَاهد رعب صريحة بشكل كلاسيكي، وانتصارا نهائيا للأبطال الذين ينحاز الجمهور إليهم منذ البداية. إنّ غياب أي عنصر منها يُخالف توقّعات المُشاهدين ويصنع الفجوة بينهم وبين النقّاد.

المساهمون