ولم يتوقف هجوم اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا يوماً عن انتقاد كوربن، منذ فوزه برئاسة حزب العمال سنة 2015، موجِّهين الاتهامات لحزبه بأن معاداة السامية أصبحت مزمنةً لديه.
ويصرِّون على هذه التهمة، على الرغم من أن الدراسة السنوية التي أصدرها معهد سياسات الشعب اليهودي لسنة 2017 تفرِّق بين معاداة السامية ومعاداة سياسة إسرائيل بين البريطانيين. وتؤكد أن معاداة السامية تنتشر بين اليمين البريطاني الذي يُصنَّف حزب المحافظين ضمنه، بينما تنتشر معاداة سياسة إسرائيل بين اليسار البريطاني، والذي يُصنَّف حزب العمال البريطاني الذي يتزعمه كوربن ضمنه. ومع ذلك، يفضل الوزير الإسرائيلي فوز بوريس جونسون وحزب المحافظين.
تعزّز الهجوم على كوربن أكثر، حين أخذ اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، والمسؤولون الإسرائيليون أيضاً، عليه استخدامه تعبير "الصهاينة البريطانيين"، لدى حديثه عن يهود وبريطانيين داعمين لإسرائيل، هاجموا فعالية للتضامن مع الشعب الفلسطيني سنة 2013، ووصموه منذ حينها بأنه معادٍ للسامية. ولا يُبدون أي استعداد لمراجعة موقفهم منه، على الرغم من مضي سنواتٍ على ذلك الحديث. وظهر في السنوات الأخيرة أن الحملات على الرجل أخذت تنحو منحى إلحاق الأذى الشخصي بالرجل.
ويعود استهداف كوربن إلى عقود خلت، بسبب مواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية، لكنها تصاعدت بعد ترؤسه حزب العمال. ولم يقتصر الهجوم عليه على اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، كما أن حديث كاتس وانتقاداته ليست الأولى التي تصدر عن مسؤول إسرائيلي، بل سبقه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حين شنّ هجوماً على كوربن، السنة الماضية. وقبل نتنياهو، اتهم وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، سنة 2017، كوربن بأنه معادٍ للسامية. إضافة إلى ذلك، كشف تحقيق استقصائي عن التدخلات الإسرائيلية في السياسة البريطانية، أنتجته قناة الجزيرة، وبثته سنة 2017، أن السفارة الإسرائيلية في لندن عملت على إيجاد مجموعات معارضة لكوربن داخل حزب العمال البريطاني. وهي مجموعاتٌ من اليهود البريطانيين، وباتت تشكل ذراعاً للكيان الإسرائيلي داخل حزب العمال.
تعد مناصرة كوربن القضية الفلسطينية، وحديثه المتواصل عن حقوق الشعب الفلسطيني، السبب الأهم لكراهية الإسرائيليين واللوبي الإسرائيلي في بريطانيا له. كما أن هنالك خطورة يشكلها
الرجل، بسبب اعتباره شخصية اشتراكية تتبنّى معاداة التمييز العنصري والنضال من أجل حقوق العمال، موقفاً مبدئياً وليس دعائياً للفوز في الانتخابات. من هنا، لا يتحمّل الإسرائيليون وجود مسؤول أوروبي على هذا المستوى، وفي زعامة أحد أكبر الأحزاب الأوروبية، يطالب بحقوق الشعب الفلسطيني وبالعدالة لهذا الشعب. كما أنه أول زعيم أوروبي يضع تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني أولويةً على ضمان حق إسرائيل في الاستمرار في احتلالها الأراضي الفلسطينية.
ربما، وعلى عكس ما يأمل الإسرائيليون، سيأتي هجوم اللوبي الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين على كوربن بنتائج عكسية ترتد سلباً عليهم، فللمرة الأولى يظهر للعيان أن ما كان يُعتقد أنهم أفرادٌ متفرّقون داعمون للاحتلال الإسرائيلي في هذه المؤسسة أو تلك الصحيفة، ليسوا سوى لوبي ضغط إسرائيلي منظَّم ومؤثر يعمل داخل البرلمان البريطاني والأجهزة الحكومية، ويتدخل في قرارات البلاد، على غرار اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية. كما أن الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في العدالة، والذي يصنفه الإسرائيليون جريمة معاداة السامية، ليس سوى جريمة تمييز عنصري، يرتكبها الإسرائيليون وأعضاء لوبياتهم بحق الفلسطينيين، وبحق المدافعين عن حقوقهم، على السواء. وهذه الحقيقة سيدركها البريطانيون الذين يعرفون أن إسرائيل قامت على أنقاض شعبٍ يُتهم من يدافع عنه بأنه معادٍ للسامية.