لماذا نعتبر فيروس كورونا أكذوبة؟

لماذا نعتبر فيروس كورونا أكذوبة؟

23 اغسطس 2020
+ الخط -

يطل علينا بالعادة وزير الدولة لشؤون الإعلام الأردني متجهما عند الإعلان عن أعداد المصابين بالفيروس، إلا أنه قد تكلم بأسى حين أشار إلى دراسة أجريت خلال الأسبوع الماضي حول وعي المواطنين الأردنيين بفيروس كورونا، لتظهر أن 43% منهم فقط يأخذون خطورة كورونا على محمل الجد، وهناك 8% يعتبرون كورونا أكذوبة أو مؤامرة. ثم عاد ليؤكد بحزم أن الوباء أصاب 21 مليونا حول العالم وقتل أكثر من 800 ألف إنسان، ويجب التعامل معه بحرص.

السؤال إذن، ما الذي يجعل البعض يشكك باستمرار كورونا؟ ولماذا يعتبره الغالبية بأنه أمر مسيس، بينما نجد آخرين مشككين بقدرة العلماء على إنتاج وفعالية اللقاح؟

هذه الجائحة أوجدت بيئة خصبة لمحبي نظريات المؤامرة ومرتعا جيدا لإطلاق إشاعاتهم حول الفيروس. وفي الحقيقة إن هذه الظاهرة ليست فقط محلية، بل إن التشكيك ونظريات المؤامرة لهذا الفيروس ممتدة في جميع أنحاء العالم.

فالمتحايلون الذين يستغلون خوف الناس من الوباء وعدم قدرتهم على البحث عن المعلومات الطبية والعلمية الرسمية حوله كثر. فتارة يباغتوننا بفيديوهات تبث إشاعات تم إنتاجها بحرفية عالية، وتارة أخرى يطل بعض المؤثرين على مواقع التواصل بفتاوى كورونية، وإنها صممت لإلهاء الشعوب عن "صفقة القرن"، أو عن قضية نقابة المعلمين الأردنيين، بل تعدى ذلك إلى التشكيك بالعلم والعلماء والأطباء وحسموا الأمر وقرروا أن كوفيد-19 ما هو إلا أكذوبة وخرافة علمية.

إننا جميعا نتشارك في المسؤولية. وهذا لا يبرر بالطبع في عدم تقديم رواية صحيحة من قبل المعنيين، لأن ترك المواطنين بدون إجابة على أسئلتهم المحيرة أو معرفة الحقيقة ستعمق أزمة الثقة وعدم تصديق أية رواية رسمية

وكانت شركة "غوغل" قد أعلنت أن القراصنة الإلكترونيين يرسلون يوميا 18 مليون رسالة احتيال عبر البريد الإلكتروني حول فيروس كورونا. ووجد باحثون أن "تويتر"  مثلا هو شريان حياة الأخبار الكاذبة، فاحتمالات إعادة تغريد خبر ملفق تزيد بنحو 70% على إعادة تغريد خبر حقيقي، والسبب، أن البشر لا يحبون سماع الحقيقة. إنها فوضى تطبق على العالم بأسره.

وما إن سارعت الحكومات والمؤسسات الصحية إلى توجيه شعوبها ببعض النصائح التي عليها الالتزام بها للحد من انتشار الوباء، حتى تم ضرب هذه النصائح عرض الحائط، ولم تجد آذانا صاغية. فهل هي أزمة ثقة قديمة أم هي نتاج مخرجات تعليمية مهترئة أفرزت حالة من اللا مبالاة لدى الشعوب التي لا تزال تستخف بالفيروس بل بالسخرية منه، مما يفسر وجود ثقافة صحية ضئيلة ما بين شعوب لا تقرأ ولا تحاول معرفة المزيد عن هذا الفيروس فتصبح أسيرة سهلة للإشاعات؟

إن ضياع "الثقة" بين مختلف مكونات المجتمع، هو جانب آخر في تفاقم المشكلة، ولا أحد يثق في أي قطاع من القطاعات. فالحكومات تبذل جهودا استثنائية في التعامل مع فيروس كورونا في ظل إمكانات محدودة، وتحديات غير مسبوقة. ولكن غالبية المجتمع لا تثق بما تقوله الحكومة، فالمعلومات التي تتدفق من الصحة والجهات الأخرى المختصة لا يمكنها وقف سيل الإشاعات ونظريات المؤامرة الجارف. كثيرون لا يعرفون ما يدور خلف الكواليس، وكثيرون لا يدركون حجم الجهود المبذولة، وكثيرون أيضاً لا يعرفون بالتفصيل الخطوات والإجراءات الضخمة التي تقوم بها هذه الفرق لمتابعة ومكافحة المرض، بالتأكيد ليس مهماً معرفة كل هذه التفاصيل، لكن من المهم أن يطمئنوا والتوقف عن إلقاء اللوم بصورة عشوائية.

فهذا الفيروس بالذات يحتاج لدرجة عالية من الاحتياطات والوعي في كيفية التعامل معه. ولهذا فإننا جميعا نتشارك في المسؤولية. وهذا لا يبرر بالطبع عدم تقديم رواية صحيحة من قبل المعنيين، لأن ترك المواطنين بدون إجابة على أسئلتهم المحيرة أو معرفة الحقيقة سيعمق أزمة الثقة وعدم تصديق أية رواية رسمية. وللإنصاف فقد جاءت الجائحة لتبين أن استعادة الثقة ممكنة، إذا ما صرفت لخدمة الجميع.

كذلك على وسائل الإعلام الحذر من أن تقع في فخ نقل الأخبار بطريقة مضللة، وخاصة فيما يتعلق باللقاح، حيث اعترف الأطباء بأنه لن يكون حلا سحريا للفيروس، وحتى بعد ظهوره قد يستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن نعرف مدى فعاليته وعوارضه الجانبية.

وأخيرا، كيف علينا كأفراد أن نكون مفعمين بحس قوي لهدف نبيل في الحياة، يضمن رقي الفرد والمجتمع معا، يركز على تطوير الفرد من جانب وعلى دوره في تطوير المجتمع من جانب آخر. هذان الجانبان من الهدف المزدوج هما بالأساس متلازمان وغير قابلين للانفصال.

التحدي اليوم هو كيف يمكن تسخير وسائل التواصل هذه في أن تزيد من وعي الناس تجاه مخاطر الفيروس بدون إثارة الهلع والمبالغة، وكيف يمكن للناشطين على وسائل التواصل أن يعوا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم؟

دلالات

68A247F7-2E17-41D0-936C-12D2B63A726B
تهاني روحي

صحافية وكاتبة ومحاضرة في حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي والإعلام والمسؤولية الاجتماعية وحوارات الأديان. وطيلة 25 عاما من خبرتها، تناولت القضايا الاجتماعية المتعلقة بحقوق الأقليات واللاجئين وقضايا النوع الاجتماعي. وهي منخرطة أيضا في رفع مستوى الوعي في الحوار مع الآخر المختلف، والعمل الاجتماعي.