Skip to main content
لماذا لا يحارب الغرب داعش؟
جلال زين الدين


لماذا يسمح الغرب لتنظيم داعش بالتمدد، ولماذا سمح بما يسميه الإرهاب الإسلامي بإقامة دولة، ولماذا يسمح بإقامة خلافة إسلامية بجوار حليفته إسرائيل، ولماذا لا يحارب الغرب تنظيم داعش؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها، لاسيّما أن الغرب كان يبادر إلى قتال أيّ محاولة لتنظيم القاعدة بإقامة أي كيانية. ليس معقولاً أن يتخلى الغرب، وعلى رأسه أميركا، عن هيمنته، ويترك المنطقة ترسم مستقبلها بنفسها، وليس صحيحاً أنّ أميركا تعبت من التدخل العسكري في شؤون الدول، أميركا غيّرت تكتيكاتها، لكنها لم تغيّر استراتيجيتها في المنطقة، فوجود إسرائيل والنفط والثورات لا يسمح لأميركا بالتخلي عن المنطقة، أو تغيير الاستراتيجية فيها، فما الذي حال دون حرب أميركا على تنظيم داعش.

واهم من يظن أن باراك أوباما منح أميركا فترة راحة، فالقرار الأميركي الاستراتيجي لا يغيره رئيس، أميركا دولة مؤسسات، ولا تخضع لأهواء الرؤساء الآنية، ونزواتهم السياسية. فأوباما يسير وفق الاستراتيجية الأميركية العريضة للمنطقة، وعليه، نفهم غض أميركا والغرب النظر عن حرب تنظيم داعش، ولو آنياً، للأسباب التالية:

1-"ما دام أعداؤك يقتلون بعضهم بعضاً، فتفرج عليهم حتى يموت أحدهم، فتنقض أنت على الطرف الآخر الذي أصبح ضعيفاً". وجدت أميركا الجهاديين والإسلاميين المعتدلين والثوار يصفون بعضهم بعضاً من جانب، ومن جانب آخر، يقاتلون الأسد وحزب الله وإيران من جهة أخرى. فمهما كانت النتيجة فالغرب رابح.

2-الحفاظ على نظام الأسد، ريثما تنضج الطبخة الأميركية للمنطقة، فأميركا تدرك أن الأسد ضعيف في دمشق، خير لها ألف مرّة من حكامٍ جدد لا تعينهم أميركا، وتدرك أن تنظيم الدولة سيسهم في إيجاد أسد ضعيف، فمعارك التنظيم مع نظام الأسد باتت على الأبواب، وبدء بعضها.

3-تدمير سورية والعراق من الداخل، لأنّها، بعد تحييد مصر بانقلاب السيسي، تدرك أنّ سورية والعراق فقط قادرتان على قيادة المنطقة والصراع ضد إسرائيل، طبعاً ليس في ظل النظامين القائمين، بل تخشى من القادم، لذلك، تعمل على تدميرها حتى لا يعطى القادم ولو كان معادياً لأميركا سوى فرصة بناء ما دمر في ظل حرب طويلة.

4-ابتزاز الأنظمة العربية الأخرى، وهذه الأنظمة ستخشى من تمدد التنظيم، وستستمر بتسليم قرارها للأميركي، حتى يحميها مما يجري في المنطقة، وليس أدل على ذلك من خنوع الأنظمة العربية تجاه ما يجري في غزة، فهم لا يجرؤون على مجرد الكلام، لأنهم يخشون أنّ يكون كلامهم مخالفاً للرغبة الأميركية، وقد نجحت أميركا في ذلك أيما نجاح.

5-بالإضافة إلى رسم خريطة سياسية للمنطقة، قد ترسم خريطة جغرافية جديدة لها، ربما تبدأ بتقسيم العراق لثلاث دول، وقد لا تنتهي بمحو حلم إعادة فلسطين الضفة للأردن، وغزة لمصر ودمجهما بهما، وقد تكون الخارطة الجغرافية الخليجية قابلة للتشظي أكثر مما هي عليه.

6-زيادة الصورة المشوهة للإسلام في العقل الغربي، بتصوير المسلمين همجاً يقتلون بعضهم بعضاً، وعدم قدرتهم على بناء أنفسهم ودولهم، وسعيهم إلى سفك الدم من أجل الدم، ومحاربتهم أدنى مقومات حقوق الإنسان، وقد نجح الغرب بإثارة الرعب من الإسلام في نفوس مواطنيه، ما يهيئ النفسية الغربية للقبول بأيّ عمل تقوم به حكوماتهم في المنطقة.

7-الفوضى التي تريدها أميركا في المنطقة ستسمح لها بإعادة تشكيلها كما تشاء، وربما يكون ذلك بعضاً مما تريده أميركا من التنظيم في الوقت الراهن، وأزعم أن ذلك يحصل من دون تنسيق مع التنظيم، الذي يسعى، أيضاً، كما نرى بأعيننا من واقع نعايشه نحو بناء دولته، ولن يعوقه سوى التدخل الدولي الخارجي، لأنّ الفساد الذي نخر في الأنظمة العربية جعلها هشة وقابلة للسقوط.