لماذا فشلت الإدارة الإلكترونية في الجزائر؟


لماذا فشلت الإدارة الإلكترونية في الجزائر؟

26 يوليو 2017
(في البريد المركز الجزائري، تصوير: ايسانت لودوفيتش)
+ الخط -
أطلقت الجزائر خلال السنوات الثلاث الأخيرة عدّة إجراءات في إطار التوجّه نحو الإدارة الإلكترونية، حيث أتاحت استخراج العديد من الوثائق الإدارية إلكترونيًا، بالإضافة إلى رقمنة مجموعة من الخدمات التي أصبح بإمكان المواطنين الاستفادة منها عبر الإنترنت، غير أن أغلب الجزائريين ظلّوا متمسّكين بالطرق التقليدية والتنقّل إلى مقرّ الإدارة لإتمام الإجراءات التي تلزمهم.

على مستوى مكتب بريد الجزائر، يستقبل موظفون بتذمّر مئات المواطنين القادمين يوميًا من أجل الاطلاع على كشوفات حساباتهم البريدية الجارية، في حين أنه بإمكانهم إجراء هذه العملية في بيوتهم ومن هواتفهم المحمولة. ولا يقتصر الأمر على المتقاعدين وكبار السن فقط، بل بنطبق أيضا على الموظفين والشباب أيضًا الذين يبدو أنهم لم يسمعوا بعد بهذه الخدمات من قبل أو لا يثقون بها.

مشكلة إعلام أم ثقة؟
بشيء من التذمّر، تسأل موظفة في أحد مراكز بريد الجزائر بمدينة قسنطينة (شرق البلاد) الشباب الذين يقفون في طابور الانتظار لمعرفة إن كان تم صرف منحة الطالب أم لا: "لماذا لا تستفيدون من خدمة مراقبة ورصد العمليات التي تتمّ على حساباتكم البريدية، وهكذا عندما تصرف المنحة ستتلقون رسالة قصيرة عبر هواتفكم تخبركم بذلك، بدل الانتظار هنا؟". اقترب الشباب من شباك الموظفة وبدؤوا يسألون عن هذه الخدمة، وهي تشرح لهم كيفية الاستفادة منها: "اكتب طلبًا وأحضر نسخة من بطاقة التعريف ورقم حسابك البريدي وسنقوم بمنحك رقمًا سريًا، بعد ذلك ادخل إلى موقعنا الإلكتروني وأكمل إجراءات التسجيل باتباع التعليمات البسيطة".

من جهتنا حاولنا الاستفسار من الموظفة عن الخدمات الإلكترونية التي مازال المواطنون لا يستفيدون منها، تجيب الموظفة على سؤال "جيل": "تقريبًا كل الخدمات متوفّرة إلكترونيًا، ماعدا إيداع النقود أو سحبها، ومع ذلك مازال الناس يأتون إلى المكاتب من أجل الاطلاع على أرصدتهم في الحساب الجاري ودفع فواتير الكهرباء، في حين يمكنهم القيام بذلك عبر الموقع الإلكتروني". وتضيف: "عندما يتعلّق الأمر بكبار السن نتفهّم الوضع لكن عندما نجد شبابًا نحاول توعيتهم وتنبيههم لنقلّل من ضغط العمل".

اقتربنا من بعض الشباب من أجل فهم وجهة نظرهم حول هذه الخدمات، حيث اتضح أن العديد منهم لم يسمعوا بوجودها في حين سمع آخرون بها أو قرؤوا عنها في الجرائد ولكنهم لم يهتموا كثيرًا بالأمر. هنا، يقول عماد طالب جامعي، 21 سنة، ردًا على سؤال موقع "جيل" بخصوص إمكانية تسجيله للاستفادة من هذه الخدمات: "بصراحة لا أحد من أصدقائي اعتمد على هذه الطريقة ونصحني بها، فهي بالنسبة لي غير مجرّبة ولا أثق بها، ربّما يتم اختراق حسابي البريدي". من جهتها تقول السيدة أمينة التي التقينا بها في مكتب البريد: "أفضّل أن أسدّد الفاتورة شخصيًا، لا أثق بعملية سحب المال من حسابي البريدي الجاري".


عزوف شبه تام
عزوف الجزائريين، شبه التام، عن التوجّه نحو الإدارة الإلكترونية لم ينحصر في مشكلة ثقة فقط في مؤسّسة بريد الجزائر، وإنما يظهر أيضًا في باقي الخدمات التي توفرها جهات أخرى، وعلى رأسها وزارة العدل الجزائرية التي أتاحت طلب واستخراج مجموعة من الوثائق إلكترونيًا، مثل استخراج القسيمة رقم 3 لصحيفة السوابق القضائية وشهادة الجنسية الجزائرية، بالإضافة لخدمة تصحيح الأخطاء الواردة في سجلّات الحالة المدنية وسحب نسخة طبق الأصل من مرسوم التجنس وغيرها من الخدمات. ومع ذلك مازال المواطنون يقصدون المكاتب الإدارية لاستخراجها في جميع مناطق الوطن.

وكانت الوزارة فتحت نافذة على موقعها الإلكتروني الرسمي، من أجل التعريف بخدماتها عن بعد، وقائمة بالوثائق التي يمكن استخراجها إلكترونيًا، كوسيلة للترويج لخدماتها، وهو الأمر نفسه الذي قامت به مؤسّسة اتصالات الجزائر، التي فتحت على موقعها الإلكتروني نافدة خاصّة بـ"الزبون" تشرح بها كافة الخدمات الإلكترونية والإجراءات والعمليات التي يجب القيام بها لتفعيلها مثل خدمة الإشعارات لمراقبة أي عملية تحدث على حساب الزبون.

في مقابل ذلك، يرى مواطنون أن هذه الإجراءات غير كافية لكون الملايين من الجزائريين مازالوا غير قادرين على استخدام مواقع الإنترنت ويحتاجون إلى مرافقة من أجل هذا التحوّل، ويقول أمين، صاحب مقهى إنترنت التقينا به في مكتب اتصالات الجزائر: "جئت لشراء بطاقات تعبئة الإنترنت، كثير من مستخدمي الإنترنت الذين يأتون لشراء البطاقات يطلبون مني أن أقوم بإدخالها وتفعيلها بنفسي، لأنهم لا يعرفون كيف تتمّ عملية إدخالها، وهناك من يأتي ليطلب مني أن أسجل طلبه في موقع وزارة الداخلية للحصول على بطاقة تعريف بيومترية".

وهكذا، وجد مواطنون أنفسهم مجبرين على التوجّه نحو مقاهي الإنترنت، رغم أنهم يملكون خدمة الإنترنت في البيت، من أجل الحصول على الخدمات الإلكترونية بما في ذلك الاطلاع على نتائج شهادات الامتحانات الرسمية، سواء تعلّق الأمر بالمدن الكبيرة أو القرى الصغيرة، لأنهم لم يتعوّدوا بعد على استخدام التكنولوجيات الحديثة.


إجبارية الخدمات الإلكترونية
رغم مشكلة نقص التكوين، ومشكلة ضعف الإنترنت وغياب الثقة إلا أن المؤسّسات الجزائرية تبدو عازمة على دفع الجزائريين نحو الإدارة الإلكترونية إجباريًا، عن طريق إقرار إلغاء العمل بالطرق التقليدية، حيث دعت مؤسسة بريد الجزائر، مؤخرًا، زبائنها إلى تسجيل طلباتهم للحصول على البطاقة الذهبية عبر موقعها الإلكتروني، لأنها ستعمل بصفة تدريجية على إنهاء صلاحية بطاقات الدفع القديمة، وهو الأمر نفسه الذي شرعت في تطبيقه مصالح الحالة المدنية، من خلال رفض بطاقة التعريف التقليدية وإجبار أصحابها على تقديم طلباتهم الإلكترونية للحصول على بطاقة تعريف بيومترية.

المساهمون