لماذا تعارض أصوات صهيونية ضم الضفة الغربية؟

لماذا تعارض أصوات صهيونية ضم الضفة الغربية؟

10 مايو 2020
+ الخط -
دعا كاتب أميركي صهيوني، في مقال له، الإسرائيليين وأصدقاء إسرائيل إلى رفض قرار رئيس وزراء دولة الاحتلال بينيامين نتنياهو الضم الأحادي لمعظم أراضي الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة، وذلك خوفاً على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل. كان ممكنا تجاوز المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، خصوصا أن كاتبه دانييل بايبس يمثل تيارا يمينيا متطرفا، تخصص بمهاجمة النشطاء والأكاديميين من داعمي حقوق الشعب الفلسطيني وشيطنتهم، إلا أن مضمون المقال يتسق مع موقف ليبراليين، وجناح فاعل في اللوبي الصهيوني، يرون في "تسرّع" الرئيس الرئيس الأميركي، ترامب، ونتنياهو خطرا على إسرائيل نفسها. ومن ذلك أننا نشهد معارضة أو تخوفات عبر عنها الكاتب الصهيوني "الليبرالي" توماس فريدمان في عدة مقالات، وكذا تحذيرات من دينيس روس، وهو من أهم المؤثرين في هندسة المواقف الأميركية سنوات طويلة تجاه الفلسطينيين، وزميله في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، دايفيد ماكوفسكي، أطلقاها بخصوص خطوات نتتياهو، والتي يعمل فيها على فرض القانون الإسرائيلي على مساحات واسعة من الضفة الغربية بعد ضم المستوطنات وغور الأردن الى الدولة الصهيونية. 
المخاوف التي تمرر تحت عناوين الحرص على حل الدولتين وإنقاذ ما تسمى عملية السلام، من فريدمان وروس وماكوفسكي لا تختلف، في جوهرها، عما جاء في مقال بايبس من صرخةٍ تقترب من الرعب على هوية الدولة اليهودية، فمع الاختلاف المهم في الديباجات، يصل جميعهم إلى استنتاج أن ضم معظم الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، من دون أن تسبقه ترتيبات معينة، يؤدي إلى قيام دولة ثنائية القومية قد تنسف المشروع الصهيوني. يكتب بايبس، في مقاله، إن الضم يجعل من فكرة منح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين أمرا واقعا، وبذلك تنتهي يهودية الدولة. وفيما يغلف توماس فريدمان مقالاته عن الموضوع بالتنظير لعملية سلام دائمة، وضرورة إقامة دولة فلسطين، فإنه لا يعارض فكرة ضم أغلب المستوطنات، لكنه يرى معضلة في عدم التوصل إلى موافقة فلسطينية، أي إلى ترتيب يؤمن فصل الفلسطينيين العرب عن باقي الدولة الإسرائيلية، إذ يشكل قيام دولة ثنائية القومية خطرا وجوديا على إسرائيل، كما يحاجج فريدمان، فتصبح الدولة الثنائية أمراً واقعاً، مستشهدا في ذلك بقول للرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عاموس يدلين.
وقد أخذت هذه المخاوف بعدا جديدا، بعد أن أعطى وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، 
الضوء الأخضر لنتنياهو ببدء ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية، بإعلانه، قبل أسبوعين، أن هذا القرار شأن داخلي إسرائيلي، لكن استعجال نتنياهو البدء بالخطوات العملية استفز نقاشا جدّيا في الأوساط الصهيونية المؤثرة في واشنطن عن تداعيات ذلك على هوية الدولة اليهودية، خصوصا أن ما تسمى "صفقة القرن"، أو خطة ترامب – نتنياهو، تحدثت عن مفاوضات مع الفلسطينيين في مرحلة لاحقة، لتنظيم وضع الفصل النهائي للسكان، من دون إنهاء السيطرة الإسرائيلية.
ويبدو أن كهنة معهد واشنطن، وخصوصا روس وماكوفسكي، لم يضيعا الوقت، فرأينا تصريحاَ بدا غريباً للسفير الأميركي لدى الكيان، ديفيد فريدمان، يعلن معارضته الضم الأحادي الجانب الكامل والفوري للمستوطنات وغور الأردن. والمذكور من بين أشد المؤيدين للاستيطان، وقد أوضح أن الخطوات الإسرائيلية يجب أن تتبع عملية رسم خريطة يضعها مفاوضون من الجانبين، الأميركي والإسرائيلي، ومن ثم تعرض على الفلسطينيين. بمعنى أدق، إنه يعارض خطواتٍ أحادية الجانب تستبعد الطرف الأميركي، ولم يكن يتحدّث عن مشاركة الفلسطينيين في ترسيم حدود الضم، ومن ثم عرضها على الفلسطينيين باعتبارها خريطة أمرٍ واقع، يحق لهم التفاوض على المساحة، من دون المساس بالخريطة التي يضعها الطرفان الأميركي والإسرائيلي ويتم فرضها على الفلسطينيين، وهذا يتسق تماما مع خطة ترامب، ومع رؤية قدمها روس وماكوفسكي إلى الإدارة الأميركية الحالية، مباشرة بعد فوز ترامب بالرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، في إطار إحياء ما تسمّى عملية السلام وبهدف إقامة كيان فلسطيني، يستطيع الفلسطينيون تسميته دولة فلسطينية، تجعل من الضم الإسرائيلي للتجمعات الكبرى من المستوطنات اليهودية وفرض السيادة الإسرائيلية على كل الأراضي الفلسطينية، بما فيها الدولة الموعودة، معلنة مشروعة وشرعية. ولذا سعى روس وماكوفسكي إلى التذكير بالمبادئ التى وضعاها، في مقال تحذيري من أن ما يفعله نتنياهو يؤدي إلى تقويض حل الدولتين.
أن يصبح دينيس روس الذي عرف بتمثيله الموقف الإسرائيلي، في أثناء دوره وسيطا أميركيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد اتفاق أوسلو في العام 1993، مدافعا عن قيام الدولة الفلسطينية، مفارقة غريبة، فقد كان من أشد معارضي أي كينونة فلسطينية، لكنه (روس) يتحدث عن غطاء يسمّى دولة لشرعنة سيادة الاحتلال الصهيوني على كل أرض فلسطين التاريخية، فمسمى دولة يجعلها خطة للتسويق في العالم العربي والعالم، استغلالا للإجماع الدولي على الدولتين، ففي نهاية الأمر لن يبقى من الدولة إلا الاسم.
المهم ألا ينخرط العرب والفلسطينيون، على أي مستوى، في خطاب خطة ترامب، أي الخطة 
الإسرائيلية الأميركية، وإنما التركيز على الحقوق الفلسطينية التاريخية والمشروعة. والمطلوب أولا وضع رؤية فلسطينية تتجاوز كل محدّدات الخطاب الأميركي - الإسرائيلي، فالمسمّيات كلها ليست أكثر من قناع زائف لمشروع كولونيالي عنصري، يحاولون تنفيذه لإعلان انتصارهم النهائي واستسلام الشعب الفلسطيني. والمشروع الأميركي – الإسرائيلي يسعى إلى إكمال المشروع الصهيوني وإنقاذه، ولا يمكن مواجهة الأخير إلا بمشروع تحرّري يعيدنا إلى جذور القضية الفلسطينية، فكل فلسطين التاريخية تحت الاحتلال، ولكن النصر الكامل للمشروع الصهيوني لا يكون إلا بقبول الفلسطينيين بالهزيمة. وهذا ما يكتبه دانيال بايبس في مقاله المذكور أعلاه، أن على الفلسطينيين الاعتراف بهزيمتهم، وكان واضحا دائماً في رؤيته بأنه لا حل وسطاً. إنه يتحدّث بحقيقة هوية المستعمر من دون أي تجميل، ولا مواجهة للاستعمار، ونحن نتحدث عن استعمار إحلالي عنصري لا يُواجه إلا بخطاب ومشروع تحرّريين، يكملان مشروع التحرّر الوطني الفلسطيني من دون مجاملة أو مهادنة.