للحرب وجوه عدة

للحرب وجوه عدة

28 مارس 2018
+ الخط -
"الحرب امتداد للسياسة ولكن بطريقة أخرى" - كارل فون كلاوزفيتز

انطلقت الحرب حينما سلمت البلاد لنخاسة الساسة وعبث السياسيين وجماعات الإسلام السياسي والجماعات الطائفية وما الخراب والدمار إلا امتداد لأطماعهم وخلافاتهم؛ للحرب وجوه وأساليب عديدة للدمار تفننت في إبرازها وإظهارها، فهي لا تكتفي بما تخلفه من عبث ودمار، لا تكتفي بما تحصده من أرواح بريئة ليس لها ناقة ولا جمل في الحرب، ولم تتخذ قرار إطلاق رصاصة الحرب الأولى..

حصدت الحرب الأرواح ببذخ ورفاهية وأعطت الجميع حق الموت مجانا دون تفريق بالدين والعرق والطائفة ولا اللون ولم تراع النوع الاجتماعيّ ( الجندر) ولا الكوتا؛ قطفت الحرب براعم الأطفال قبل أن تصبح زهورا.. فأصبح الطفل ما بين قاتل أو مقتول ومنحت للأمهات وجعا لا متناهيا ودموعا لا تنضب..

حين تتجول في أي مدينة عقب انتهاء الحرب فيها لن ترى سوى الدمار، ولن تسمع فرحة المنتصر، فقط أنين الأمهات وأصوات الثكالى يعزفان سيمفونية الفقد، فالشعب وحده من يعاني ألم الهزيمة وعبء الانتصار..


"قالت امرأة: كيف لا تكون الحرب مقدسة وقد مات فيها ابني؟!" - جبران خليل جبران.

بعد أن تقرع طبول الحرب يجبر الإنسان أن يخوضها بطرق مختلفة، ليس معنى أن تخوض حرب أن تشارك في حمل السلاح والقتال، لكن بشكل أو بآخر تصبح الحرب حربك وتجبر أن تشارك فيها ولو بأوجاعك، تصبح حربك وأنت تدافع عن عائلتك ومنزلك كي لا تصيبهم قذيفة أو صاروخ أهوج يتباهى مطلقوه بقدرتهم على ضرب وقتل سلمية مدينتك تصبح حربك وأنت تقاتل للحصول على قوت يومك في ظل حرب لا ترحم ولا تجد فيها لقمة خبز تسكت بها جوع أطفالك، تصبح حرب الأمهات يخضنها بحزن وقلق وهن ينتظرن العدالة والإنصاف وحيناً الانتقام ممن قتلوا أبناءهن، وتصبح الحرب مقدسة لديهن، ولكن حتى الانتصار لا يعيد لهن ما فقدن..

حين تنتهي الحرب تبدأ الأمهات في البحث عن أولادهن، فهن لم يستوعبن فقدانهم بعد، تجبرك الحرب أن تشارك بها وأنت لا تعلم مصير أخيك أو قريبك أو صديقك ما بين أسير ومختطف ومعتقل، فتشعر بأنها حربك ويجب الانتصار بها.

الخوف والفقد هما أحد وجوه الحرب الآثمة، وجهان يقتلانك بمهل وتروٍ، فلا تموت ميتة واحدة بل يتعدد موتك بسببهما.

"أسوأ ما في الحرب أننا نستخدم أفضل ما لدينا لنقوم بأسوأ ما نستطيع"  هنري فوسديك

سؤال أثار فضولي وطرحته على أصدقائي "ما الذي دمرته الحرب فينا؟" وبعد إجابتهم تأكد لي ما فكرت وشعرت به، فبالإضافة إلى كل ما ذكر من وجوه الحرب فإنها أخرجت أبشع ما فينا، أخرجت الوحش الكامن في قلوبنا، دمرت الحرب إنسانيتنا وأخلاقنا، فالمحبة والتعاون اللذين رأيناهما في الحرب تجاه بعضنا بعضاً، لسوء الحظ، لم يستمرا وبدأ التناحر والتنافر يسود، كأننا لم نكن قاب قوسين أو أدنى من الموت، كأن صلواتنا للنجاة لم يُستجب لها، فلم تنج أرواحنا.

حينما تتحول السلمية والمدنية إلى عنف واستبداد ونعود للقبلية والنهب ندرك حينها أن الحرب اغتالت الأخلاق قبل أن تقتل الإنسان.

أخرجت الحرب الكبت الذي رافق الناس أعواماً، وأطلقته في هيئة وحش يطيح من حوله، فاستخدمت القوة للسرقة والنهب والقتل والمنصب للفساد، والعلم أصبح وحيدا كأم فقدت وحيدها.

ربما كان من الأفضل أن تتغير صيغة السؤال: "ما الذي أبقته الحرب فينا؟".

أفقدتنا الحرب العلاقات الإنسانية والصداقات وحتى العلاقات الأسرية لم تسلم، وتخندق كل في طرف وتمزق النسيج الاجتماعي والإنساني.

"لا أحد ينتصر في الحرب سوى الحرب نفسها، فهي التي تنتصر على الجميع" - ميخائيل شولوخوف
E7627565-C67C-4A04-9CE2-A4C2C3198B30
لينا الحسني

رئيسة مؤسسة أكون للحقوق والحريات