لغتنا العربية وتسويقها

لغتنا العربية وتسويقها

09 ديسمبر 2019
+ الخط -
بُلّغتُ ذات يوم من المسؤولين في عملي عن تسويق مقالات أترجمها للأولاد في مرحلة الصِّبا (من سن 14 إلى 18 عامًا) أنهم يودون لو تكون لغتي العربية التي أكتب أو أترجم بها "أخف"؛ إذ إن الأولاد على وجه الخصوص هذه الأيام لغتهم العربية بسيطة للغاية إن لم تكن ركيكة، فكان ردي أن دورنا نحن من نسهم في نشر محتوى مفيد أن نرتقي بالقارئ لا أن نجاريَه، خاصة أنه يسلك الطريق الخطأ الذي ينشر الركاكة ويدعمها، فدور الناشر التنويري أن يأخذ بيد القارئ ويضيف إليه، فضلًا عن أنني دائمًا ما أوضح بالتبيان أية لفظة أشك ولو من بعيد أنها قد تصعب على القارئ في المعنى أو المدلول كل ذلك لجذبه إلى لغتنا الجميلة ولتحبيبه فيها، وهذا رأيي كمقدم محتوى وأقف عنده وأدافع عنه بشدة لا لأنه رأيي ولكن لأنه يمس اللغة العربية التي أرى أنه يتوجب على الناشرين العرب الحفاظ عليها، وبناءً عليه، على التسويق أن يروج هذا المحتوى وأن يذيع محاسنه ويجتذب الأنظار إليه ويُغري القارئ لمطالعته بأن يبرز على سبيل المثال أنه محتوى داعم لفصاحة اللغة العربية فهو مقدَّم بلغةٍ عربيةٍ رصينة.


مرت الأيام بل الشهور المتعددة ترجمت خلالها عشرات المقالات وكنت سعيدة سعادة بالغة بالإسهام في ترجمة تلك المقالات، ولم أبخل ببذل أي مجهود لتجويد المنتج وتحسين مظهره من بحثٍ وتنقيحٍ حتى أفيد القارئ بكل ما أستطيع.

وبعد مرور تلك الأيام والشهور وبينما أنا منغمسة في عملي سُررت بخبرٍ كان كفيلًا بتلاشي أي إحباط لدي حول مستقبل اللغة العربية في مجتمعنا العربي، ألا وهو أن المقالات التي ترجمتها -بلغة عربية فصيحة- حققت نسبة قراءة غير مسبوقة تعد العُليا مقارنة بمختلف الأقسام بموقع النشر.

وما بدد إحباطي أنني لمست أن القارئ العربي على وجه العموم وصغار القراء على وجه الخصوص تقبلوا اللغة العربية الفصيحة بكل سرور وترحاب بل طلبوا المزيد.

وبناء على هذه التجربة العملية أود أن أوصي دور النشر بألا تجنح إلى اللغة الركيكة بحجة أنها السائدة في عصرنا الحالي والمتعارف عليها في عالمنا اليوم، وأن ضرورة الرواج تقتضي المجاراة، وأود أن أقول إن التجربة أثبتت العكس تمامًا.

كما أوصي دور النشر من حيث كونها صاحبة دور تنويري موجِّه للذوق العام وله تأثيره في تحسين اللسان العربي بالحرص على نشر اللغة العربية الجزلة الرصينة وذلك بمساندة تسويق يقدِّر السلعة التي يروجها قدر استطاعته.

*****

لا يمكن أن تنهض أمة بلغة غيرها.

*****

اللغة وسيلة التقدم بل الأساس الذي تقوم عليه الحضارة.

*****
3E7A7174-FBAB-41EE-9E9B-17EE3A36DE1E
أسماء راغب نوار
كاتبة ومترجمة مصرية، عربية مسلمة، أعشق تراب مصر ولا يزال لدي أمل في نهضتها، أعتز بلساني العربي أيما اعتزاز، أتخذ من الإسلام منهجًا للحياة غير مقتصرة على تأدية العبادات، أود تطبيق العدالة بين الناس كافة، درست اللغة الإنجليزية وآدابها وأعمل مترجمة. تعرّف عن نفسها بالقول: "لقد أقمت حياتي على مبدأ أن المطلق الوحيد هو الله وما دونه قابل للأخذ والرد إلا ما أنزل على رسوله أو ورد عنه، ووجهت نفسي للانتصار للحق وليس للرأي، ورفعت عن عقلي الوصاية فاستقل رأيي".