لعبة قوميي وشعبويي أوروبا: المراهنة على آثار كورونا لاستعادة البريق

لعبة قوميي وشعبويي أوروبا: المراهنة على آثار كورونا لاستعادة البريق

17 يوليو 2020
تراجع الخطاب الشعبوي في زمن كورونا (Getty)
+ الخط -

تراجع منسوب وخطاب اليمين الشعبوي الأوروبي خلال جائحة فيروس كورونا. لكن هذا التراجع ينظر إليه على أنه مؤقت فرضته متغيرات غياب التسليط على روافع خطابه تجاه المهاجرين واللاجئين ومؤسسات الاتحاد الأوروبي.

ومن بين من تضرروا بظروف أزمة كورونا وزير الداخلية السابق اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، الذي فقد بريقه منذ مارس/آذار، إلا أنه ليس الوحيد في أوروبا من يعاني من ذلك.

وتعتبر مقاطعة بيرغامو في إيطاليا مهد تفشّي وباء كورونا في البلد، من بين معاقل حزب الرابطة "ليغا" الإيطالي بزعامة سالفيني، والذي حصل خلال الانتخابات الأوروبية العام الماضي على نحو ثلث الأصوات، غير أن نحو 6 آلاف إنسان في المقاطعة انضموا إلى طوابير البطالة بداية يونيو/ حزيران الماضي، وفقاً لصحافتها المحلية. 

ورغم ذلك، اعتبر رئيس بلدية نيمبو، عن يسار الوسط، كلاوديو كونسيلي، أن طوابير البطالة ستكون في مصلحة الشعبويين إذا لم تدر عجلة الاقتصاد، بل إن كونسيلي يلخّص مشهد مكاسب الشعبويين المحتمل على نحو مثير للانتباه بقوله: "يمكن لليمين أن يفوز اعتماداً على انتشار الاستياء، وبغض النظر إن تعلّق الأمر بدونالد ترامب أو ماتيو سالفيني".

 

 

وإن كان شعبويّو القارة يبدون اليوم في مؤخرة الصفوف، بعدما سحبت كورونا البساط من تحتهم، إلا أنهم، بحسب ساسة وخبراء، ينتظرون فرصة الانقضاض مجدداً، بسبب آثار الجائحة نفسها. 

قبل الجائحة وبعدها.. شعبوية متذبذبة

بريق سالفيني استعيض عنه ببروز رئيس الوزراء، جوزيبي كونتي، إلى جانب حركة "5 نجوم" الشعبوية، ممثلة بوزير الخارجية لويجي دي مايو. وتفيد الصحافة الإيطالية بتزايد شعبية كونتي كـ"رجل دولة" واجه الجائحة بثناء ساسة وبرلمانيين عليه. 

ورغم مرارة روما من تعامل أوروبا معها يبدو أن مدّ اليد الاقتصادية أخيراً ربما ينقذ بعض العلاقة بين الطرفين، ولو إلى حين.

وما يثير في وضع اليمين الشعبوي في أوروبا أن تطورات الجائحة ربما قضت عليه ظاهرياً، وهي قراءة يحذر من فخها خبراء وساسة كحالة مؤقتة.

في حين كانت معنويات المعسكر الشعبوي مرتفعة بالتسليط الدائم على المهاجرين وانتقاد الاتحاد الأوروبي، قبل الجائحة، إلا أنها أرخت بثقلها على خطاباتهم

 

فرغم أن حزب "بوكس" اليميني المتشدّد في إسبانيا تراجع وفقاً لاستطلاعات "مركز الأبحاث الاجتماعية" الإسباني، وتطرق إليه بالتفصيل موقع "إل دياريور" وصحافة إسبانية في مايو/أيار الماضي، من 15 في المائة إلى 11 في المائة، إلا أن ذلك لا يعني نهاية الشعبوية الإسبانية. 

وفي حين كانت معنويات المعسكر الشعبوي مرتفعة بالتسليط الدائم على المهاجرين وانتقاد الاتحاد الأوروبي، قبل الجائحة، إلا أنها أرخت بثقلها على خطاباتهم.

وينطبق ذلك على حزب "الحرية" بزعامة غييرت (خيرت) فليدزر في هولندا، وعند يورغ ميوثين في "البديل لأجل ألمانيا"، ومارين لوبين الفرنسية في "التجمع الوطني"، وفزلين ماريكي من "حزب فوليا" البلغاري، وجاك ماديسون في إستونيا، وتوميو أوكامورا من حزب "الحرية والديمقراطية المباشرة" في جمهورية التشيك، وجيمي أوكسون في "ديمقراطيو السويد"، وانقسامات اليمين المتشدد في حزب "الشعب الدنماركي" بزعامة كريستان ثول دال. 

ويقدم تراجع التقدم الصاروخي لـ"البديل لأجل ألمانيا" قبل كورونا، بواقع 17 في المائة بين الألمان، إلى ما بين 8 إلى 10 في المائة، مع احتدام مشاكله الداخلية حول اتجاهات الحزب السياسية والمستقبلية، مثلاً على حالة التذبذب الشعبوي.

الاقتصاد حاسم

بالنسبة لرئيس وزراء إسبانيا الأسبق، خوسيه ماريا أزنار، فإن "تقدّم العجلة الاقتصادية أمر حاسم كيلا تعود الشعبوية تهيمن في الشارع الأوروبي".

 وبحسب السياسي المحافظ أزنار (Partido Popular حزب الشعب)، في مقابلة له مع صحيفة دنماركية مؤخراً، فإن التصرف حيال الأزمة الاقتصادية، بسبب الإغلاقات، يعتبر حاسماً لمستقبل المشهد السياسي الأوروبي.

 ويرى الرجل أن "أحزاب يسار الوسط الأوروبية تخسر ناخبيها، وهو مشهد يمكن أن يفتح أبواب الراديكالية السياسية، إذا لم تحسن أوروبا خلال الأشهر القادمة التعاطي مع الآثار الاقتصادية التي خلّفتها الأزمة". ورأى أزنار احتمال "تصاعد الشعبوية الأوروبية إذا لم تحسم المسائل الاقتصادية".

ومن جانبه، قدّم فيرنر باتزيلت، عالم السياسة الألماني، والذي عمل مستشاراً سياسياً للديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة ميركل، في مقابلات صحافية، تصوراً عن أن "المسألة مسألة وقت قبل أن يعود الشعبويون بقوة".

 

أزنار: أحزاب يسار الوسط الأوروبية تخسر ناخبيها، وهو مشهد يمكن أن يفتح أبواب الراديكالية السياسية

 

باتزيلت شخّص على نحو تحذيري: "من الصحيح أن كورونا جعلت قضايا الهجرة والدمج في الخلفيات، لكن وبمجرد أن تنتهي الأزمة ستصبح مرة أخرى في المقدمة، وحزب البديل لأجل ألمانيا AfD يعرف ذلك، ويراهن عليه".

ولدى الفرنسيين، شركاء ألمانيا في قيادة العمل الأوروبي، لا يبدو الوضع جيداً للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي مُني قبل فترة وجيزة بخسارة في الانتخابات البلدية. وماكرون لم يكن، فيما يتعلق بكورونا، بذات مستوى نجاح رئيسة وزراء الدنمارك (يسار الوسط) ميتا فريدركسن، ولا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. 

 

 

وإذا كان سالفيني الإيطالي لم يستطع اختراق التأييد الشعبي لرئيس حكومة بلده، كونتي، فإن مارين لوبين لم تهدأ في توزيع انتقاداتها لماكرون، وخصوصاً البطء، بداية تفشي الوباء، في الإغلاق وتأمين مستلزمات الوقاية.

ومبكراً كتب المؤرخ البريطاني، غافن مورتيمر، في مجلة "ذا سبيكتر"، عن انتهازية لوبين باستغلال المشكلات الاجتماعية والوباء، وبأنها "قد تقضي على آمال ماكرون في إعادة انتخابه في عام 2022". 

ويرى أن جهود ماكرون المحمومة لإعادة العجلة الاقتصادية، ومشروع الإنقاذ الأوروبي مع ميركل، من "أوراق القوة التي يحاول اللعب بها، كرجل استطاع إعادة الحياة لاقتصاديات أوروبا، لكن في المقابل يمكن للوبين أن تنتهز الفرصة بعرضها فرض حدود فرنسا مع العالم الخارجي كجزء من أفكارها". 

ولاحظت "فورين بوليسي"، في مقال مشترك لباحثين من مركز الأبحاث "الأمن الأميركي الجديد" (Center for New American Security)، أندريا كيندال تايلور وكاريسا نيتشه، أن كورونا أفقد الأحزاب القومية المحافظة ماء وجهها، لأنها لم تملك أجوبة واضحة على الأزمة. 

وخلص الكاتبان إلى أن اليمين القومي قادر على التكيف مع الظروف الجديدة، حيث "الشعبوية الجديدة يمكنها الاستفادة من التحديات الاقتصادية التي خلقها كورونا، وتظهر الأبحاث أن البطالة الناجمة عن الأزمة، وانعدام الأمن الاقتصادي، مرتبطة بالتصويت لأحزاب الشعبوية". وخلصا إلى أن "الجيل الشعبوي الجديد سيكون قادراً على استغلال نشوء تيارات قومية أنتجتها الجائحة".​