لحماية المدنيين أم لمصالح خاصة؟

لحماية المدنيين أم لمصالح خاصة؟

03 سبتمبر 2016
+ الخط -
لا نختلف كثيراً عن الرأي الرافض والمؤيّد لدخول القوات الإقليمية ونشرها في البلاد، والتي تختص مهامها المعلنة بحماية المدنيين والمنظمات الإقليمية والدولية.
أبدت الحكومة موافقتها المبدئية بعد اجتماع ممثلي منظمة الإيقاد أخيراً في أديس أبابا، وهي الحكومة نفسها التي كانت رافضة بالأمس بعد خروج مواطنين عديدين في مسيرات جماهيرية، تنديداً ورفضاً لدخول تلك القوات.
ضرورة الأوضاع السياسية تجعل المرء يعدل في قراراته، مهما حدث، فعذراً أيها الشعب، لأنّ البلاد ليست الأولى حول العالم التي يدخل فيها قوات غير قواتها، فسبقتها في ذلك بلدان عديدة في القارة الأفريقية، منها من تمكنت القوات فيها من فرض السلام وفض النزاع نهائياً، ومن ثم حقّقت النهضة الحقيقية في ظل استقرار حقيقي (ليبيريا نموذجاً)، بينما ظلّ آخرون حتى يومنا هذا غارقاً في الأزمات، ولم يكتب لها الاستقرار (الصومال نموذجاً).
ما يثير حفيظتي كثيراً، وربما آخرين من أبناء هذه البقعة، أنّ هناك بعض الدول التي دخلت فيها القوات الإقليمية لحماية المدنيين لم تشهد استقراراً، لأنها انحرفت من جادة مهامها المنصوصة عليها، منحازة لأحد أطراف الصراع، فكينيا وإثيوبيا وقعتا في فخ الإنحياز الذي ظلّت إثيوبيا واقعة فيه في الصومال.
الآن، هناك موافقة مبدئية لدخولهم إلى البلاد (جنوب السودان)، فما نتمناه أن تفلح هذه القوات في إنجاز مهامها على أكمل وجه من دون انحياز لأيّ من أطراف الصراع الموّقعة على اتفاقية السلام، لأنّ المواطن في أمس الحاجة إلى الاستقرار الأمني في جميع أرجاء البلاد اليوم قبل غد، كي تعيد للوطن والمواطن ما سلبته هذه الحروب، حتى ولو لم يستطع المرء إعادة الأرواح الذي فقدت، إلا أنّ إحلال الاستقرار أمر في غاية الأهمية.
سبق وأنّ قامت الولايات المتحدة بتدريب أكثر من 248 ألف فرد من قوات حفظ السلام من 25 دولة شريكة في جميع أنحاء القارة قبل نشرهم إلى عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. كما أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 241 مليون دولار في أنشطة تابعة لبرنامج المساعدة والتدريب على عمليات الطوارئ في أفريقيا منذ العام 2009 وحده، وذلك بجانب إجرائها تدريبات متخصّصة على عمليات حفظ السلام للاتحاد الأفريقي و22 بلدا أفريقي شريك منذ العام 2005، بهدف بناء أطقم مؤهلة ومحترفة من قوات حفظ السلام دون انحياز.
كل هذا الدعم يهدف إلى ضرورة إحلال الأمن في القارة الإفريقية وجنوب السودان، أحد الدول التي تشهد نزاعات. لكن، يظل التكهن سيّد الموقف بأنّ وراء دخولها لا بد من مصلحة للدول المشاركة في هذه القوات.
وتشير المصادر الدولية أنّ المساهمات المستحقة على الولايات المتحدة لبعثة الأمم المتحدة لدى جنوب السودان (يونميس) منذ إنشائها في 2011 تصل إلى ما يقارب 635 مليون دولار لدعم مساعي "يونميس" لحماية المدنيين، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ويعمل خمسة عسكريين حالياً في يونميس، كما أنّ القيادة الأميركية كانت ضرورية لتبسيط تفويض البعثة كي تركز اهتمامها على حماية المدنيين.
وعلى الرغم من هذا الدعم الهائل إلا أنّ هذه القوات فشلت فشلاً ذريعاً في توفير الحماية اللازمة لمواطني جنوب السودان عند اندلاع الحرب في 15 ديسمبر 2013، وخلالها حتى لحظة التوقيع على اتفاقية السلام في أديس أبابا- جوبا، فما حدث في جوبا، بور، ملوط، وخاصة مخيم ملكال خير دليل على فشل هذه القوات في توفير الحماية اللازمة للمواطنين أيّ المدنيين، فهل تنجح هذه المرّة أم تظل منشغلة بمتابعة مصالحها المنشودة في البلاد؟
سؤال ستجيوب عليه الأيام (ونتمنى أنّ لا تتكرّر الحرب)، ففي النهاية على القوة الإقليمية والدولية الإدراك جيداً بالأوضاع التي تمرّ بها البلاد أولاً، خاصة أنّ هناك بعض الإدارات الأهلية وضعت أياديها في إدارة الدولة وتديرها من خلف الكواليس، وهذا ما قاد الأزمة في البلاد إلى حالة من التعقيد والتشرذم، وثانياً على قوات حماية المدنيين في حالة دخولها البلاد الإلتزام بعامل الحياد كي يكتب لها النجاح في أراضي جنوب السودان، فأيّ خطوة غير ذلك ستكلف القوات الكثير الذي لا يمكن تخيّله، خصوصاً أنّ الجنوب سوداني ليس كسائر الشعوب في إفريقيا بل والعالم أجمع، فيمكنه مقاتلة أيّ قوة من دون أيّ مبالاة بما يترتب عليه من خسائر، ولو أدى ذلك إلى انقراضه!
6FD3F5A1-E49A-4C69-88AA-AF9317C2B595
6FD3F5A1-E49A-4C69-88AA-AF9317C2B595
اوبج اوتر (جنوب السودان)
اوبج اوتر (جنوب السودان)