لحظة توتر انتخابي غير مسبوق في أميركا

لحظة توتر انتخابي غير مسبوق في أميركا

17 أكتوبر 2016
تبقى صناديق الاقتراع الحَكَم الفاصل في النهاية(روبين بيك/فرانس برس)
+ الخط -

جرت العادة أن تكون حرارة الجو السياسي مرتفعة في الولايات المتحدة في مثل هذه الأيام من عام انتخابات الرئاسة، فيكون هناك لحظة استنفار عام يقوم به الحزبان الديمقراطي والجمهوري، إما للاحتفاظ بالبيت الأبيض أو لاسترجاعه من الآخر.

ويرافق سخونة المنافسة أحياناً بعض الشطط في الخطاب، لتحفيز الناخب، أو تنفيره من الخصم، لكنها تبقى إجمالاً ضمن حدود المتعارف عليه. كما تبقى صناديق الاقتراع الحَكَم الفاصل في النهاية، والقبول بأحكامها هو من المسلمات، فهذه عملية رسّختها الممارسة الديمقراطية الأميركية.

وعلى غير عادة، يبدو أنّ قطار الانتخابات انحرف بشكل حاد عن سكّته المألوفة، فخطابه فاقع في دونيته وبما حوّل الحملة الانتخابية في أسابيعها الأخيرة من عملية مزاحمة مشروعة إلى حفلة شرشحة مبتذلة، إذ إنّ المرشح الجمهوري دونالد ترامب يصب على نارها المزيد من الزيت الحارق، بل ذهب إلى حدّ التلويح بخطوات رافضة لرفض انتخابه، وفي هذا خروج خطير على قواعد اللعبة، وبما زاد من درجة التوتر المقلق.

الناخب الأميركي، خاصة المستقل الذي يرجح الكفة غالباً، ناقم ومحتار، فالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ليست البديل لديه وترامب ليس الخيار، إلا لدى مؤيديه المبهورين بتهريجاته الخاوية، ولذا من المتوقع أنّ تسجل هذه الانتخابات نسبة هابطة جداً في الإقبال على الاقتراع.

وما زالت كلينتون بالطليعة في هذه المعادلة، فتفوق مواصفاتها تضافرت مع نواقص ترامب وفضائحه خاصة النسائية، لتدفع برصيده إلى الأسفل أكثر فأكثر، وعيوبه ساهمت في تعويمها. ولم تنفع محاولات ترامب لتبشيع صورة كلينتون، المعطوبة بكل حال في الأيام الأخيرة، عندما بدأ يتحسس وطأة الهزيمة المحتومة التي تنتظره بعد ثلاثة أسابيع، راح يهدد بتهبيط الهيكل " عليّ وعلى أعدائي ".

واستوقف المراقبون ترويج ترامب المسبق بأنّ الانتخابات محكومة بـ"التزوير الإعلامي " وتركيزه على هذا التوصيف في جولاته الانتخابية، لما انطوى عليه من شحن لأجواء مؤيديه وبما يحثهم على الاستعداد لإعلان حالة من التمرد على النتائج الآتية وفق كافة التوقعات، لغير مصلحته.  

ثم تزايد هذا التخوف عندما نقل بعض كبار مساعديه، مثل عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، هذا التهويش إلى مرتبة أخطر زاعماً أن النتائج "ستكون مزورة " سياسياً في بعض المدن الكبرى، أي ضمناً في المدن التي تتواجد فيها كتل واسعة من الأميركيين السود، ما يعني أنّ فوز كلينتون غير مقبول على أساس أنّه مطعون فيه، وبالتالي غير شرعي.

وهذه التهمة غير مسبوقة، لجهة توقيتها وما تنطوي عليه من تشكيك مبطّن بالسود وبما يؤجج الحساسيات العنصرية المؤججة أصلاً في الآونة الأخيرة، لكن الأخطر أنّ هذا الجنوح أثار مخاوف جهات كثيرة، ومنها نائب ترامب الذي سارع إلى التطمين بخصوص مقبولية نتائج الانتخابات.

وتطمين نائب ترامب، الذي كشف عن خلافات وتخوفات داخل صفوف الجمهوريين أنفسهم، بقي من غير تأثير، فالتحريض لقي استجابة في أوساط مؤيدي ترامب، فضلاً عن أنّ هذا الأخير واصل اليوم الحديث عن التزوير القادم، واستطراداً عما ينبغي القيام به لوقف مفاعيله.

ولن يكون بمقدور ترامب أو شارعه رفض النتائج عند إعلانها، إذ إنّ النظام أقوى بكثير منه ومن تياره، لكن تحريضه قد يلقى شيئاً من التجاوب لدى قواعد غاضبة من ورافضة الوضع السياسي القائم، الذي تعتبر كلينتون جزءاً منه. وبذلك قد تشكل دعوته المبطّنة سابقة يخشى المعنيون من آثارها على العملية الانتخابية المستقرة منذ نيف ومائتي سنة.

وهذا الخروج عن الخط، ضاعف من حالة القلق، خاصةً في أوساط الحزب الجمهوري الذي خطفه ترامب والذي قد يحتفظ بكتلة واسعة من الحزب ويسلخها عنه لتأسيس تيار سياسي جديد، يكون البديل أو أحد البدائل عن الجمهوري، في وجه الحزب الديمقراطي.

فالجمهوري يعاني من الشقوق قبل الانتخابات، وترامب فاقم من محنته، وقد يجد تعزية له في أنه مقابل خسارته لمعركة الرئاسة تمكن من ربط اسمه بولادة كيان سياسي جديد في أميركا، ومن هنا خصومة القيادات التقليدية للحزب لترامب الذي بدوره لا يطيق ذكرها، لأنه يعتقد أنها ساهمت في هزيمته الآتية.

المساهمون