لبنان ينتظر فخامة الفراغ

17 ابريل 2014
+ الخط -

 يمضي الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، جزءاً من وقته المتبقي في القصر الجمهوري، في محاولة رسم خريطة طريقٍ لخلفه في الملفات الساخنة، والتي استطاع أن يضع لبعضها ثوابت، كما في "إعلان بعبدا" الذي اتفقت عليه القوى السياسية في الحوار الوطني، وقضى باتباع سياسة النأي بالنفس في الموضوع السوري. وخرجت قوى موقّعة على الإعلان عنه، عندما ذهبت وقاتلت في سورية، كما في حالة حزب الله أو غيره. وقد حاول سليمان تثبيت سياسة النأي بالنفس، عبر حوار آخر، دعا إليه الأطراف السياسية، لكنه فشل بسبب عدم حضور أبرزها. وهو يحاول اليوم أن يرسي هذه الثوابت، قبل أن يغادر قصر بعبدا في الخامس والعشرين من مايو/أيار المقبل، ويتركها لخلفه الذي لم تتضح صورته بعد. لكن، هل سيجري هذا الاستحقاق، ويتم انتخاب رئيس جديد؟
بحسب الدستور اللبناني، يجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية في آخر شهرين من ولاية الرئيس القائم، والجهة المنوط بها ذلك هي المجلس النيابي، المؤلف من 128 نائباً، موزعين على كتل سياسية كثيرة، وبدعوة من رئيس المجلس النيابي. ولم يوجّه رئيس المجلس، نبيه بري، الدعوة، على الرغم من مناشدة بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، له بتوجيهها، مع أن الفاصل الزمني عن انتهاء ولاية الرئيس الحالي بات ضيقاً (حوالى 40 يوماً)، ولا تم انتخاب رئيس جديد، مع كثرة الحديث عن كثرة مرشحين للموقع. فلماذا هذا التأخير؟
بات الهاجس من عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها يكبر يوماً بعد يوم، ومنسوب القلق عند المسيحيين، بالنظر إلى أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مارونياً بموجب الدستور اللبناني بات أكبر، فهناك من لا يريدون للانتخابات الرئاسية أن تجري في وقتها، لحساباتٍ محلية وإقليمية، وهناك من يريد تعديلاً للدستور اللبناني، مع التحولات الإقليمية الجارية، لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الشركاء الآخرين في الوطن، وهناك من يريد استثمار الوقت.
أمضى الرئيس تمام سلام نحو عشرة أشهر، حتى تمكّن من تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه نال ثقة 124 نائباً لتشكيلها، واستغرقت عملية الاتفاق على البيان الوزاري للحكومة نحو الشهر (كل المدة الدستورية)، مع أن عمر الحكومة المفترض ثلاثة أشهر، بالنظر إلى الاستحقاق الرئاسي في الخامس والعشرين من مايو/ أيار. لذلك كله، يكبر القلق.
الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وبكل صدق، في خطر. لأن القوى السياسية يريد كل منها أن يكون الاستحقاق على مقاسه. والمؤثرون الإقليميون والدوليون يريدون استغلاله في لعبة التوازنات والمفاوضات والمصالح. والتنّكر لآليات العمل الديمقراطي في بلداننا العربية بات سمة بارزة، على الرغم من ثورات شعوب عربية في "الربيع العربي". من هنا، الاستحقاق في خطر. والنظام في خطر. والدولة اللبنانية في خطر.
على المستوى الداخلي، يبدو حزب الله تحديداً غير عابئ، ولا مستعجلاً، بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، على الرغم من تبرّمه، أخيراً، من مواقف رئيس الجمهورية، ميشال سليمان. إنه يريد إنجاز الاستحقاق، ولكن على مقاسه. ولذلك، وضع مواصفات الرئيس المقبل، وحدَّد الخطوط العريضة لسياسة العهد المقبل، وإلا فإنه غير معني بإجراء الانتخابات في وقتها، وليكن الفراغ. ولا يبدو الحديث عن دعم حزب الله رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، جدّياً بالمستوى المطلوب، ويدرك عون هذا الأمر. ولذلك، اتجه نحو تسوية علاقاته بتيار المستقبل، وأعلن أنه لن يكون مرشح خلاف، بل مرشح توافق. يريد الحزب في المرحلة الحالية والمقبلة رئيساً، يريحه في خياراته الإقليمية، خصوصاً في سورية، ولا يريد رئيساً، مثل ميشال سليمان، يطلق المواقف التي تضع الحزب في موقفٍ محرج. وإذا لم يكن هذا الرئيس، فالفراغ أفضل ما يمكن أن يخدم الحزب، حيث تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وهناك تضيع المسؤولية. ومن هناك، قد ينطلق البحث في رحلة إحداث تعديلٍ، أو ربما تغييرٍ، في النظام السياسي اللبناني، بما يطرح معادلة قوة جديدة في الداخل اللبناني.
على المستوى الإقليمي، تستغل القوى المتصارعة إقليمياً أية نقطة لصالح تعزيز موقفها التفاوضي، في مواجهة الطرف الآخر. ومن هنا، يمكن القول إن تقاطع المصالح بين هذه القوى يمكن أن يسهّل إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده المتبقي، أما اختلاف المصالح، وهو الراجح حتى هذه اللحظة، فسيمنع إنجاز الاستحقاق في وقته، وسيترك لبنان للفراغ، وليس شرطاً أن يكون دائماً.
لبنان، في المدة المتبقية من مهلة إنجاز الاستحقاق الرئاسي، يعيش حالة انتظارٍ على وقع اشتعال الملفات المعيشية، والذي قد يكون مبرمجاً ومدروساً. وقد تتحول حالة الانتظار إلى حالة تكيّف مع فخامة الفراغ القادم، إذا لم تتقاطع المصالح في ربع الساعة الأخير.