لبنان... ميشال عون وحيداً في حروبه "الكونية"

لبنان... ميشال عون وحيداً في حروبه "الكونية"

11 يوليو 2015
عون وحيداً في الشارع وبين حلفائه (حسين بيضون)
+ الخط -
يخوض زعيم التيار الوطني الحرّ في لبنان، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، معركته السياسية وحيداً. وزيراه، جبران باسيل (صهر عون) والياس بو صعب، خاضا السجالات شبه وحيدين في قاعة اجتماع مجلس الوزراء يوم الخميس. اكتفى وزراء كل من كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) وتيار المردة وحزب الطاشناق (قوى 8 آذار باستثناء كتلة التنمية والتحرير برئاسة نبيه بري التي باتت تتخذ موقعاً وسطياً) بالسكوت خلال هجوم باسيل على الرئيس تمام سلام واتهامه بمصادرة القرار من الحكومة مجتمعة في ظل الشغور الرئاسي منذ مايو/أيار 2014.


اقرأ أيضاً: لبنان: تأجيل انفجار الحكومة وتعادل في معركة الشارع

تفسّر هذه الوحدة السياسية ردّ عون خلال المؤتمر الصحافي، بعد جلسة الحكومة، على أسئلة أحد الصحافيين عن كونه بات بلا حلفائه بالقول: "لا تسألوني عن حلفائي، فالموضوع يتعلق بـحقوق المسيحيين، و"أنا بكفي وبوفي بمفردي". لم أضع شروطاً على أحد عندما قمت بتحالف سياسي، وإذا كانوا يحبون أن يسيروا معنا اليوم، فأهلاً وسهلاً بهم، أما إذا كانوا لا يرغبون في ذلك، فنحن سائرون من دونهم". أشار عون إلى أنّ حلفاءه "أحرار باتخاذ الموقف الذي يرونه مناسباً، وإن لم يكن هناك من أحد معنا، فلا بأس، لأن لدينا كياننا ووجودنا وقوتنا". بعد ساعات، أطلّ زعيم تيار المردة، الوزير السابق سليمان فرنجية، الحليف المسيحي الأول لعون وحزب الله والنظام السوري، ليعلن أنه "لم يتم التنسيق مع المردة" في مختلف المواقف والقرارات الصادرة عن الرابية (مقرّ إقامة عون). عارض طرح عون المُطالب بـ"الفدرالية" ورفض "عدم التنسيق المسبق مع المردة" وطالب عون "التنسيق معنا، ونحن لم نختلف يوماً مع التيار الوطني الحرّ إلا بالأسلوب". كما احتج على مجرّد تبليغ المردة بقرار النزول إلى الشارع من دون أي نقاش أو مشورة وقال: "أن نبلّغ أننا سننزل إلى الشارع فأقول لهم الله معكم".

برز التباين أيضاً في نسف فرنجية لخارطة الطريق التي وضعها عون للخروج من الأزمة السياسية، والتي تنص على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، ثم إجراء الانتخابات ومن بعدها الانتخابات الرئاسية في البرلمان. فقال فرنجية "لا ضرورة لذلك، ففي حال تم التوافق على اسم للرئيس لماذا علينا انتظار انتخابات نيابية؟"، مشيراً إلى أنّ وجوب الأخذ في حلّ العقدة يأتي أولاً، أكان في التوصل إلى اسم للرئاسة أو في التوصل إلى قانون انتخابي جديد.

اقرأ أيضاً: لبنان: عون في الشارع وحزب الله يدعمه عن بُعد

الانتقاد الأبرز الذي جاء على لسان فرنجية طاول عنوان "الصلاحيات" و"حقوق المسيحيين"، إذ قال إنّ "الرئيس تمام سلام حسم موضوع الصلاحيات"، متسائلاً "لم يقع خطأ، فلماذا نتحرّك؟"، ومن شأن هذا الموقف أن يبطل كل الخطاب العوني حول الحكومة ورئيسها، وهو بمثابة شبه اعتراف بأنّ المعركة العونية في جهة وعنوانها في جهة أخرى: المطلوب تعيين العميد شامل روكز، زوج ابنة عون، قائداً للجيش تحت عنوان حقوق المسيحيين وموقعهم ووجودهم.

وحدة عون السياسية
كرّستها أيضاً وحدة جمهوره في الشارع. فأنصار التيار الوطني الحر، والذين نزلوا بالعشرات فقط إلى الشارع يوم الخميس، تلبية لدعوة عون إلى تحريك الشارع، كانوا وحيدين أيضاً. جاء التحرّك هزيلاً بالشكل، عند مدخل السراي الحكومي في وسط العاصمة، كما في المضمنون، إذ لم يجد المتظاهرون سوى شعار "الله، لبنان، عون وبس" لترداده في ساحة الاعتصام، فـ"الجنرال" (لقب عون منذ كان قائداً للجيش اللبناني في ثمانينيات القرن الماضي) يتصرف اليوم مع ملف صهره روكز تماماً كما سبق له أن عطّل تشكيل الحكومات بين أعوام 2008 و2010 لإصراره على توزير صهره الآخر؛ الوزير جبران باسيل، الراسب في الانتخابات النيابية في دورتي 2005 و2009.

اقرأ أيضاً: لبنان: سلام "الداعشي" والمراسلة "المتحرشة" إنجازات ثورة عون 

وضع عون لهذه المعركة عنوان "حقوق المسيحيين"، بدءاً من آلية اتخاذ القرارات في الحكومة ووصولاً إلى المشاركة في وضع جدول أعمال الجلسات الحكومية، مروراً بصلاحيات رئيس الحكومة والوزراء الذين منحهم الدستور مجتمعين صلاحيات رئيس الجمهورية. ومن هذه المطالب والحقوق، يحاول عون تحويل هذه المعركة إلى معركة "وجود"، وجود المسيحيين ووجود البلد والدولة والمؤسسات. فقال خلال اليومين الماضيين إنّ "المشكلة الأساسية في لبنان هي مشكلة ضمان وجودنا"، مضيفاً "نحن المسيحيين معرضون لخطر الوجود، لأنه في ساعة من الساعات، وضعت ثعالب السياسة اللبنانية يدها على كل حقوق المسيحيين وعلى مواقعهم في السلطة". وذهب عون أبعد من ذلك خلال إطلالته الأخيرة، إذ قال إنّ "لا أميركا ولا روسيا ولا العالم بأكمله قادر على أن يزيحني قيد شعرة، فأنا مستعد للاستشهاد للمحافظة على حقي".

يعيش النائب ميشال عون منذ عقود في خطاب "الوجود" وخوض المعارك الكونية الكبرى بوجه العالم كله. عام 1989، وقف عون بوجه التسوية الدولية والعربية التي أتت من خلال اتفاق الطائف. قال يومها إنّ "النواب ذهبوا إلى الطائف وشربوا كأس السلطة وقدموا لبنان إلى سورية وبصناعة أميركا". بعد عام، استمر الجنرال في حربه على الجميع، في الداخل والخارج، وصدرت عنه مواقف متعددة أبزرها: "لسنا بحاجة إلى اعتراف العالم بل العالم بحاجة إلى اعترافنا" أو "نحن في معركة وجود والأميركيون ليسوا أوصياء علينا".

تكرّر العنوان نفسه في المعركة الانتخابية التي خاضها عون عام 2005، بعد عودته من المنفى الباريسي. يومها، صدر عن عون الموقف الحربي الآتي: "اعتبرنا أنّ الثورة حقيقية (ثورة قوى 14 آذار 2005، والتي كان التيار الوطني الحرّ أبرز مكوّناتها، لإنهاء الاحتلال السوري للبنان) وأن اللبنانيين ثاروا على معلميهم ولكننا اكتشفنا العكس، فشنت حرب كونية علينا". واستخدم عون التعبير نسه، "الحرب الكونية"، في الانتخابات النيابية التالية عام 2009، إذ قال "نواجه حرباً كونية من خلال الإتيان بالناخبين من الخارج، وهي حرب ليست على المعارضة بل على العونيين فقط".

خلال عقود من العمل العسكري والسياسي، في السلطة والمعارضة أو في الاثنين معاً (كما هي الحال اليوم)، امتهن عون خوض معارك الوجود ومواجهة الحروب الكونية التي يمكن أن تنتهي بفوزه بمقعد نيابي أو منصب وزاري. أما معركة اليوم فتدور على موقع في قيادة الجيش لصهره وآخر رئاسي لعون نفسه.

المساهمون