لبنان: بري يقود عجلة المشاورات لتعبيد طريق الحريري لرئاسة الحكومة

لبنان: بري يقود عجلة المشاورات لتعبيد طريق الحريري لرئاسة الحكومة

21 اغسطس 2020
يرفض عدد من الكتل عودة الحريري على رأس الحكومة الجديدة (حسين بيضون)
+ الخط -

بعد مرور 11 يوماً على استقالة رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، إثر انفجار مرفأ بيروت، ثم صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، يوم الثلاثاء الماضي، والذي اجتازه الشارع اللبناني من دون توترات بعد القلق من حصولها، بدأ رئيس البرلمان نبيه بري حراكاً للاتفاق على شخصية جديدة تُسمّى لتشكيل الحكومة، علماً أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يَدعُ حتى الساعة إلى الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلّف للحكومة.

ويدفع بري باتجاه عودة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري على رأس الحكومة الجديدة، ويسعى لإزالة العقبات التي تحول دون تسميته، علماً أن الحريري، الذي استقال من رئاسة الحكومة في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على وقع الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر، كان قد وضع شروطاً للعودة، كما سرّبت وسائل إعلام وشخصيات مقربة منه، ومنها تشكيل حكومة من اختصاصيين ومستقلّين، وهو مطلب تشدّد عليه الدول الأجنبية المنخرطة في الشأن اللبناني، وقد حمله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لبنان الذي سيعود إليه في الأول من سبتمبر/أيلول المقبل. ويعني هذا الشرط خروج "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل من الحكومة، وهو ما لا يبدو أنه يلقى قبولاً من الطرفين حتى الساعة.

كذلك، يريد الحريري من "حزب الله" التضحية وتسليم سليم عياش، الذي أدانته المحكمة الدولية باغتيال والده رفيق الحريري، وهو ما يرفضه الحزب الذي لا يعترف بالمحكمة أو بقراراتها. هذا وعمّم بيت الوسط (مقرّ الحريري) على أعضاء "كتلة المستقبل" النيابية عدم تناول أيّ معلومات أو معطيات حول احتمال تشكيل الحريري الحكومة الجديدة.

ومن المعروف أنّ "حزب الله" كان متمسّكاً بعودة الحريري بعد استقالته، ولا يزال منفتحاً على تسميته، لكنه في الوقت نفسه يرفض الصيغة الحكومية الحيادية المستقلّة، وشدّد الأمين العام للحزب حسن نصر الله على ذلك في إطلالته الأخيرة، التي لوّح فيها أيضاً باستخدام الشارع عندما توجّه إلى جمهوره بالقول "حافظوا على غضبكم لأننا قد نحتاج إلى هذا الغضب لإنهاء محاولات جرّ لبنان إلى حرب أهلية".

وفي جديد حراك بري، وبعد لقائه أول من أمس الأربعاء في قصر الرئاسة في بعبدا رئيس الجمهورية ميشال عون، اجتمع اليوم الجمعة في عين التينة برئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل، بحضور وزير المال السابق الذي ينتمي إلى "حركة أمل" علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين خليل.

 

يسعى بري لإزالة العقبات التي تحول دون تسمية الحريري، علماً أن الأخير كان قد وضع شروطاً للعودة، منها تشكيل حكومة من اختصاصيين ومستقلّين، وهو مطلب تشدد عليه الدول الأجنبية المنخرطة في الشأن اللبناني

 

وعن ذلك، يقول عضو "كتلة التنمية والتحرير" (التي يرأسها بري) النائب محمد خواجة لـ"العربي الجديد" إنّ بري أعلن سابقاً أنّ مرشحه لرئاسة الحكومة هو سعد الحريري لاعتباراتٍ عدّة، فالمرحلة الراهنة والأزمات الضاغطة التي يعيشها لبنان اقتصادياً ومالياً ونقدياً تقتضي اختيار شخصية قادرة على مخاطبة الخارج الذي مدّ البلاد بالمساعدات منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الحالي، والمطلوب أيضاً مخاطبة الداخل، فالأهم رأي اللبنانيين، لكنه يضيف أنّ الحريري ليس موضع إجماع عند الكتل النيابية التي تسمي الرئيس المكلف عند دعوة رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية ملزمة، ومن هذه الكتل، "القوات اللبنانية" (يرأسها سمير جعجع)، و"التيار الوطني الحر"، فالمناخ السائد بينه وبين "المستقبل" ليس مؤاتياً بعد، في حين لا نعرف مدى حماس "اللقاء الديمقراطي" (يرأسه النائب تيمور نجل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط) لتسمية الحريري.

ويتابع: "انطلاقاً من هذا الواقع، يعمل الرئيس بري على الخطوط كافة لحلّ العقد الموجودة، وخصوصاً أنّه قد يكون الوحيد المؤهل لمخاطبة جميع القوى السياسية والمتخاصمين، وهو يستفيد من مكانته ودوره بهدف تقريب المسافات بين هؤلاء، ولا سيما أنّنا لا نملك ترف الوقت"، مضيفاً: "في حال قبِل التيار الوطني الحرّ الذي يملك كتلة نيابية وازنة، ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، بالحريري، عندها تسلك التسمية طريقها إلى التكليف، علماً أنّ بري لا يقتصر تصوّره على اسم الرئيس المكلّف فقط بل على وظيفة الحكومة ودورها، وعدد وزرائها وبرنامجها الذي يجب أن يحمل عناوين إصلاحية فاعلة ومنتجة، ورؤية واضحة لمقاربة الملف المالي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وفقاً لرزنامة زمنية نرى أنّه من الأفضل وضعها في البيان الوزاري لاستعادة بعض الثقة التي فقدها اللبنانيون المحبطون من القوى السياسية، وإشعارهم بالجدية الموجودة للقيام بالخطوات الإنقاذية تبعاً لتوقيت محدّد، بعيداً من الشعارات البرّاقة والوعود التي بقيت من دون تنفيذ ومن حكومات الوحدة الوطنية.

ويشير خواجة إلى أنّ بري حمل الملف الحكومي طبقاً رئيساً في اللقاءات التي عقدها مع عون والنائب جبران باسيل ومختلف الأفرقاء الذين التقاهم أو سيبحث معهم تسمية رئيس المكلف، علماً أنّ القوى المتحمّسة لتسمية الحريري حتى الساعة، وبشكل واضح وصريح، هي "التنمية والتحرير"، "الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله)، وكتلة رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية (الحليف الأبرز لحزب الله)، ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وغيرها، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ "التوافق لم يحصل حتى اليوم، ولو تمّ ذلك بحدود عالية لكنّا رأينا الرئيس عون يدعو لاستشارات نيابية ملزمة".

 

وعلى ضفّة الرافضين لتسمية الحريري، يقول النائب في "تكتل لبنان القوي" (يرأسه باسيل) حكمت ديب لـ"العربي الجديد"، إنّ إرادة بري يجب أن تكون قيمة مضافة، فهو على رأس مجلس النواب والكتل ستسمّي في النهاية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ومن الواجب والأصول التشاور مع رئيس البرلمان والاستجابة لمطلب الشارع لجهة الوجوه الجديدة والوزراء الاختصاصيين والمستقلّين، والوصول لتأليف حكومة قادرة على إنقاذ لبنان وتنفيذ إصلاحات سريعة للاستجابة للأزمات الضاغطة والمستجدة، مستدركاً "لكن على صعيد تسمية الحريري لتولي رئاسة الحكومة من جديد فـ"من جرّب مجرّب عقله مخرّب" وهذه مضيعة وقت وتكرار للأخطاء نفسها وكأنّ أحداً لم يتعلّم".

 

يريد الحريري من "حزب الله" التضحية وتسليم سليم عياش، الذي أدانته المحكمة الدولية باغتيال والده رفيق الحريري، وهو ما يرفضه الحزب الذي لا يعترف بالمحكمة أو بقراراتها

 

ويشدد ديب على أن "المطلوب وجه جديد قادر على مواجهة الأزمة والاستحقاقات الداهمة على الصعد كافة، وشخص يتناسب والمرحلة الراهنة لم يسبق أن جرّبناه وفشل في مواجهة التحديات، فكيف الآن بعدما اشتدّت الأزمات؟"، مشيراً إلى أنّ هناك أسماء مطروحة، ولكن كل تداول لاسم غير مدروس وغير واقعي هو حرق له.

من جهته، يقول النائب في "تكتل الجمهورية القوية" (كتلة القوات اللبنانية) فادي سعد لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاستشارات يجب أن تبدأ أصولاً ودستورياً عند دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة، ومن المؤسف أن السلطة الحاكمة تدير البلد من خارج المؤسسات، فعدم دعوة رئيس الجمهورية إليها بعد مرور حوالي الأسبوعين على استقالة حكومة دياب هو خرق دستوري واضح وصريح، وبالتالي فإنّ المشاورات التي تحصل بين عون وبري قبل الدعوة لا تعنينا ولا تعني شيئاً".

ويشدد سعد على أنّ "المشكلة ليست في اسم الرئيس الذي سيكلّف، أو الوجوه الوزارية، بل في عرّاب الحكومة والممسك بزمام قراراتها، أي "حزب الله" و"التيار الوطني الحرّ"، وهذا ما رأيناه في حكومة حسان دياب التي كانت تضمّ أسماء وزارية جيدة ولكن القرارات لم تكن ملكاً لها، وطغت المحاصصة على كل الملفات والتعيينات، حتى في انفجار مرفأ بيروت رأينا كيف أنّ الحكومة لم تظهر على الإطلاق وكأنها غير موجودة، وبالتالي، فإنّ الحكومة الجديدة قد تكون أسوأ حتى من سابقاتها في حال بقيَ عرّابَاها".

 

 

ويؤكد سعد أنّ حزب "القوات اللبنانية" يريد تغييراً كاملاً وإعادة إنتاج سلطة جديدة تتماشى مع إرادة الناس، تحفظ لهم حقوقهم وأموالهم، وتؤمن لهم أبسط مقوّمات العيش والرعاية الصحية والتربوية. ويشير إلى أنّ "الحزب لم يسمِّ أخيراً رئيساً لتشكيل الحكومة، ورفض تسمية الحريري الذي تربطنا به علاقة جيدة، وهو من أقرب المكوّنات السياسية لنا ونملك نظرة واحدة لشكل لبنان، ولكن الاختلاف هو على طريقة إدارة البلد، وذلك لأن المطلوب ذهنية مختلفة ورجال دولة على قدر الأزمات". ويضيف: "لا قرار بعد للتكتل بشأن اسم الرئيس المكلف، وهو ما نأخذه بعد استشارة الحزب والتكتل والقواعد الحزبية والرأي العام اللبناني وانتفاضة 17 أكتوبر وغيرها من الاعتبارات التي نقرّر على أساسها، إضافة إلى شكل الحكومة وبرنامج عملها، التي يجب أن تكون انتقالية، تعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتتعاطى مع الأزمة الراهنة بمسؤولية كبيرة"، مشدداً على أن الاختيار يجب أن يكون مدروساً لأن الآتي قد يكون أصعب بكثير.

بدوره، يقول النائب في "اللقاء الديمقراطي" بلال عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إنّ البلد عاجز اليوم، ولا يمكنه توليد سلطة وحكومة أو أن يأخذ القرار من دون رعايات ووصايات وتسويات وإشارات خارجية وداخلية، وهذا مؤسف جداً، لكنه يجسد الواقع الراهن". ويؤكد عبد الله، رداً على موقف "اللقاء" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" من تسمية الحريري، أنّ المطلوب الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة، واحترام الدستور الذي ينصّ على الاستشارات النيابية الملزمة، أما المشاورات التي تسبق الاستشارات فهي بدع اخترعها العهد لفرض مرشحين في قالب من التسويات، على حدّ قوله.