لا يعطيك العافية يا مولر

لا يعطيك العافية يا مولر

29 مارس 2019
+ الخط -
"الله لا يعطيك العافية فوق تعبك".. ربما هذا أقل ما يقال للنائب العام الأميركي، روبرت مولر، بعد ما ورد في تقريره عن تواطؤ بين روسيا وفريق حملة الرئيس دونالد ترامب في انتخابات 2016 الرئاسية. تمخض المحقق مولر فوَلد "فأراً"، ينفي ارتكاب ترامب أي جريمة، من دون تبرئة المتهم. في رسالةٍ من أربع صفحات، سلمها إلى الكونغرس، لم يحسم النائب العام بشكل نهائي احتمال وجود أو عدم وجود "عرقلة لعمل القضاء" من ترامب، إلا أن وزير العدل الذي تسلم التقرير اعتبر أن خلاصات مولر لا تشير إلى أي جُرمٍ يستدعي ملاحقاتٍ على أساس عرقلة عمل القضاء.
ما انتهى إليه المحقق مولر بعد عامين، تقريباً، من العمل، يشبه إلى حد كبير ما انتهى إليه تحقيق لجنة السير جون تشيلكوت البريطانية التي شكلها رئيس الوزراء السابق غوردون براون في العام 2009 بهدف التحقيق في تواطؤ رئيس الوزراء الأسبق، توني بلير، مع الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن، لتدبير مبررات لغزو العراق عام 2003، أو فبركتها، وما إذا كان بلير تعهد لرئيس الولايات المتحدة بدعم الحملة التي تقودها واشنطن، قبل الحصول على موافقة السلطة التشريعية. بعد سبع سنوات من التحقيق، انتهت لجنة تشيلكوت إلى تحميل بلير مسؤولية الفشل الذي انتهى إليه غزو العراق، من دون أن تدينه بأي شكل. بدد تشيلكوت آمال ملايين ممن كانوا ينتظرون محاكمة بلير، وربما سجنه، جزاء ما اقترفت يداه بحق العراق والعراقيين من قتل ودمار. وبالمثل، بدّد مولر آمال ملايين ممن كانوا يأملون الخلاص من دونالد ترامب، وخيّب التقرير "المائع" آمالهم، وصار عليهم تقبل حقيقة أن كابوس ترامب لن يتبدّد قريباً، وسيبقى على صدورهم سنوات طويلة.
أثلجت خلاصات مولر المائعة والضبابية صدر ترامب، وجاءت بأفضل مما توقع رودي جولياني محامي ترامب "بحسب قوله"، ومنحت "أبا إيفانكا" صك البراءة، وعزّزت معركته المقبلة، وحملته الانتخابية المحتملة في انتخابات الرئاسة الأميركية 2020، وهو ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز صراحة، لما كتبت أنه: "إذا أراد الديمقراطيون عزل هذا الرئيس من البيت الأبيض، فسيكون عبر صندوق الاقتراع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وليس قبل ذلك، لقد انتهت السحابة السوداء التي صحبت الرئيس منذ 22 شهرًا، وتم رفع الأحمال من على كتفيه اليوم".
صحيحٌ أن نتائج عمل مولر لم تنه متاعب ترامب تماماً، فهناك تحقيقاتٌ مفتوحةٌ بشأن نشاطات مالية لعدد من مؤسساته، وتحقيقات أخرى في مخالفاتٍ متعلقة بتمويل حملته الانتخابية، وهناك تحقيق في الكونغرس، يدرس جهود ترامب وشركائه لإبرام اتفاق نووي مع السعودية، إلا أن "ورقة مولر" إضافة نوعية إلى أوراق قوة أخرى، يتسلح بها ترامب للبقاء في البيت الأبيض، من قبيل ما حققه الاقتصاد الأميركي من نمو ملحوظ في العام 2018، وهبوط معدل البطالة إلى 3.7%، وهو أدنى مستوى له منذ 49 عامًا. وقد كشف مسح نشرت نتائجه شبكة سي.إن.إن، منتصف شهر مارس/ آذار الجاري، أن 71% من مواطني الولايات المتحدة يعتقدون أن الاقتصاد الأميركي يعمل جيدا، وهي أعلى نسبة منذ فبراير/ شباط 2001، فضلًا عن أن 51% يرون أن الرئيس ترامب هو السبب في الأداء الاقتصادي الجيد.
ومع تقرير مولر، عزّز ترامب أوراق اعتماده لولاية ثانية في واشنطن، وقد تزامن ذلك مع مراكمته أوراقا أخرى، كسبها من رصيد القاعدة العريضة للمسيحيين الإنجيليين الذين صوّتوا لصالحه بأعداد كبيرة في انتخابات عام 2016، ومن أصوات اللوبي الصهيوني، بعد كل ما قدّمه من هدايا لإسرائيل، بدءًا من انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وفرْض حصار مالي وسياسي على السلطة الفلسطينية. وليس آخراً، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، مع التلويح بإمكانية اعترافٍ مماثل في الضفة الغربية، أو أجزاء كبيرة منها.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.