لا علاج بلا تحالف متكامل
استمعت إلى كلمة لوزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، في جلسة مجلس الأمن في التاسع عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، والمخصصة للعراق، الذي أنْعَمَتْ عليه البروتوكولات "الفقهية" السرية بنهر ثالث، يعزز دجلة والفرات، هو نهر داعش الدموي، الذي يتنادى المجتمع الدولي لتجفيفه، حتى لا يعبر إلى خرائط أخرى.
تنبع قوة الكلمة من مقدمتها العسكرية، والتي نقشتها المقاتلات الفرنسية لاحقاً، على ما تناثر من أشلاء مخزن عتاد داعشي في العراق، واستند فابيوس إلى رأي لشيخ الأزهر في الداعشيين، يعتبرهم فيه مجرد مجرمين باسم الدين. والواضح، هنا، أن طلعات فرنسا الأولى في سماء العراق، إضافة إلى مظلتها السياسية الدولية، تحتاج، اعتباراً لعلاقاتها المتميزة مع الدول الإسلامية، ولملايين المسلمين الموجودين فيها، وتحتاج إلى سند شرعي، لم يجده الوزير إلا في المرجعية الأزهرية.
شكرا لك على بيانك القوي، يقول رئيس الجلسة، جون كيري، لفابيوس؛ وهو، في الحقيقة، يقصد قوة الضربات الجوية اللوجيستية والقوية التي دشنت بها فرنسا نسختها الثانية من "السرفال". افترضْتُ أنه لو تأتت للوزراء المتحدثين في الجلسة، وبالتالي، للحلف الدولي، مرجعية إسلامية أقوى، لكان أفضل، للأسباب الآتية:
1. على الرغم من أن الداعشية تشكل خطراً على المجتمع الدولي، برمته، دينياً وقيمياً وحضارياً، فإنها أكثر خطورة على الأمة الإسلامية، بكل طوائفها ومذاهبها، لكونها مبرمجة لتُسقِط من الدين الإسلامي كل التطور التاريخي، وكل تجليات التمدن والحضارة، ولا تُبْقي فيه غير آية السيف، تُعْمِلُها في رقاب هذه الأمة، باعتبارها مرتدة عن دينها.
2. الأمة إزاء فتنة دينية كبرى، لا يمكن إخمادها بضربات جوية فقط، ولا حتى بحرب برية كاسحة. والفعالية القتالية للحلف، وهي، هنا، زائدة عن المطلوب، تظل بحاجة إلى إسناد وجداني، إلى قوة ناعمة، تشتغل وفق استرتيجية إسلامية معتدلة، متكاملة، وطويلة النفس.
3. فراغ الساحة الدولية حاليا، إلا من نفير الحلف القتالي، بقيادة الولايات المتحدة، يلعب لصالح داعش، إذ يعزز ادعاءها المُرابَطَة وحيدة على ثغر الدين، في مواجهة من تراهم مرتدين وكفاراً. ولا يكفي، هنا، أن تصدر فتاوى وآراء عن علماء أفراد، أو حتى هيئات علمية أو مجالس.
4. من شأن حلف عربي إسلامي، استراتيجي- شرعي، معرفي واقتصادي تنموي، يتحرك بموازاة الحلف العسكري الدولي، أن يُطَمئِن الشعوب المعنية مباشرة، بصدق النيات الدولية في حربها على الإرهاب. جربت هذه الشعوب أشكالاً متعددة من التمويه والمخاتلة، منذ مستهل القرن الماضي، لتصبح على خرائط متوترة، وعلى كيان صهيوني خُلق ليقتل ويدمر.
5. لا يمكن لهذه الأمة التي ساهمت عبر عصورها الذهبية، في رقي الإنسانية أن تظل في الحاضر مجرد تجمعات بشرية، من دون مشروع حضاري، على الرغم من أنها تمتلك كل مقوماته المادية والوجدانية.
6. إن الحرب الدولية على القاعدة وطالبان في أفغانستان، على الرغم من وقعها الكبير، لم تمنع من تشكل الجيل الثاني من تنظيم القاعدة، وانتشاره في عدد من الدول، وبؤر التوتر، تحت مسميات عديدة، وصولاً إلى داعش.
ولهذا كله نقول، إن من شأن العمل الاستراتيجي الإسلامي أن يكشف كل ما هو مخبوء من أمر الداعشية، وحمل الجهات العربية والإسلامية المتورطة في تخصيب جيناتها، وتبيئتها، على أن تكف رحمةً بالشعوب، وحفظاً لأمن عالمي هش.